فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ
السلامة الصحية والبدنية تعتمد بشكل أساسي على التغذية السلمية، والتي تحتوي على مختلف العناصر المهمة التي يحتاجها الجسم في نموه، وكما أن هناك احتياجات مادية متمثلة بالطعام المغذي فكذلك هناك الجانب الآخر من شخصية الإنسان وهو الحاجات الروحية، وكل ما يصدر من الإنسان من كلمات أو تصرفات وسلوكيات فهي تعبر عن تلك التغذية الروحية وما تكتنفه شخصيته من مخزون فكري وقيمي، ومن أراد تكوين شخصية قوية فعليه الانتباه إلى مصادر تغذيته الروحية ومكتسباته الأخلاقية والتربوية، وهذا ما يؤكد أهمية ما يتلقاه الفرد منذ نعومة أظافره من توجيهات وتربية تعمل على صياغة شخصيته ورسم أبعادها، فمن كان يرغب في رؤية مستقبلية مشرقة لأبنائه فليكن على وعي تام بأنهم بذور تنبت في البيئة الخصبة التي يعيشون فيها، وما ينجم عنهم من أعمال وأفكار فهو نتاج تلك التربية سواء كان باتجاه الخير والطيبة أو باتجاه الشر والعدوانية، والعامل الآخر المؤثر في صياغة الشخصية هو البيئة الاجتماعية والأقران الذين يتواصل معهم في محيطه، ويتبادل معهم مشاعره ويكتسب منهم طريقة إدارة حياته والتصرفات والاختيارات المناسبة لمختلف المواقف التي يواجهها.
صفاء الروح ونقاؤها أو اسودادها واتصافها بالشرور والعدوانية هو نتاج تغذيتها ومصادر إطعامها من الأفكار والأفعال التي يقدم عليها، فهناك مظاهر يمكن من خلالها التنبؤ واستكشاف حقيقة تلك الشخصية ودلالات تعرّف بمصادرها القيمية، فالكلمة عنوان وهوية لا يمكن الاستهانة بمكانتها في التعريف بحقيقة روح ودواخل صاحبها، فالكلمة الطيبة والصادقة والرقيقة ثمرة تربية وبيئة مستمرة استبانت أهمية المخزون اللغوي والمعرفي في التواصل الاجتماعي، كما أن الكلمة الجارحة والمسيئة أساليب دفاعية تعبر عن عقدة النقص ومداراة أوجه الضعف، أو تكون هجومية تعبر عن شخصية عدوانية تدخل في معارك وخصومات مستمرة دونما توقف، وروح العطاء وتقديم المساعدة المالية للمحتاجين تعبّر عن مشاركة وجدانية فعالة ونشطة تشعر بالسعادة عند تخفيف آلام وهموم الآخرين، وأما البخل وشح النفس فهو يعبّر عن مكنون يكتنف فكر الأنانية وحب النفس القاتل «السلبي» وممارسة عملية لذلك التصور، كما أن روح الصبر وتحمل المتاعب ومواجهة المشاكل بمسئولية دون التهرب من معالجتها هو نتاج تربية وتغذية فكرية وسلوكية، وكذا بالنسبة لمختلف الأطعمة الروحية كالتسامح وكف الأذى وتجنب الإساءة للآخر هي ومضات نيرة.
أولى مراحل التغذية الروحية هو التوجيه نحو تحمل المسئولية عن كل ما يصدر من الفرد من كلمات أو مواقف، فلا يمكنه أن يصل إلى مرحلة التأمل والتروي في الحديث قبل التفوه به ولا اتخاذ موقف أو قرار قبل الإقدام عليه عمليا إلا من خلال مبدأ تحمل المسئولية.
الروح تنمو وتتكامل وتزدهر بالمواقف المتصفة بالحكمة والاتزان، وفي المقابل فإن كل تصرف مسيء يسبب لها افتقارا ونقصا حتى يأتي اليوم الذي تذبل فيه وتصفر بعد تراكم مسلسل الخطايا، فالبصيرة تعمى مع تكون غشاوة على القلب والروح تهرب وتعجز بسبب ضعف الإرادة في مواجهة المغريات والنزوات.