آخر تحديث: 28 / 6 / 2025م - 4:19 ص

القراءة بخلفية مسبقة

يوسف أحمد الحسن * مجلة اليمامة

تُعد القراءة بخلفية مسبقة عن أي موضوع سلاحًا ذا حدين؛ فقد تكون إيجابية وإضافة جيدة للقارئ؛ لكونه يحيط ببعض تفاصيل الموضوع، فتكون القراءة عندها إما تحصيل حاصل أو مراكمة للمعرفة ونوعًا من إنعاش الذاكرة بموضوع معروف. ومن إيجابيات ذلك أيضًا أنه يعزز التفاعل مع أي كتاب ويحوّل القراءة من مجرد فك رموز واكتشاف أمور جديدة إلى سبر أغوار واكتشاف آفاق جديدة فيها ربما لا تخطر ببال من يقرؤها بدون خلفية مسبقة، وربما الوصول إلى ما يمكن تسميته طبقات جديدة من المعاني في الكتب، وهو ما يعني بدوره متعة علمية أو أدبية أكبر للقارئ.

كما تحفز هذه القراءة في البعض الروح النقدية لما يقرأ؛ لأنه قد يتمكن من كشف بعض النقص أو الخلل في مضامين المادة التي يقرأ، وهو يشبه من ناحيةٍ القراءة الثانية لأي كتاب، والتي يكتشف فيها القارئ بعض الجوانب الجديدة في الكتاب لم يكتشفها في القراءة الأولى، وربما ظهر له بعض التناقضات أو أي عوار اكتنفها.

لكن هذه القراءة لا تخلو من سلبيات، ليس أقلها أن يتشبث القارئ بالقراءة السابقة على أنها حقيقة رغم أنها ربما لا تكون كذلك؛ لكنها حظوة الأسبقية، ما قد يقود إلى تحيزات في غير محلها لا لشيء إلا لخلفية مبكرة حول فكرة معينة، هو نفس سبب تعلق بعضنا بما تعلمه في صغره وما تربى عليه حتى إن كان فيه خطأ أو خلل.

وهنا يأتي دور التفكير النقدي المحايد قدر الإمكان، ودوره في غربلة الأفكار وانتقاء الأقرب للصحة أو للمنطق السليم، في معادلة صعبة في الموازنة بين الخلفية المسبقة والقراءة الحالية لأي مادة.

وقد يقع البعض حين قراءة نص بخلفية مسبقة في فخ الانتقائية والبحث عن الأفكار التي تقف إلى جانب قناعاته وتأكيد ما يؤمن به، ونبذ أو تجاهل الأفكار التي تخالفها حتى ربما دون أن يشعر! وهو ما يمكن أن يوقع البعض فيما يسمى بالقفص الذهني؛ الذي يعني القيود الفكرية التي يفرضها الإنسان على نفسه لسبب ما؛ منها الخوف من التغيير أو التكيف الثقافي أو الاجتماعي.

ومما يذكر هنا أن القراءة بخلفية مسبقة هي ما يجعل الآراء حول نص ما في مجتمع واحد متباينة، وحتى متناقضة، بحسب خلفية كلٍّ، وما سبق أن اطلع عليه قبل قراءة هذا النص.

وبطبيعة القراءة المنفتحة وكثافتها فلا مناص من وجود القراءة بخلفية مسبقة، لكن المطلوب هو إيجاد حالة من التوازن ما بين القراءة الحالية من جهة والقراءات السابقة والخبرات الحياتية من جهة أخرى، مع الاستعداد لتغيير بعض القناعات عبر الانفتاح العقلي.

لذا يمكن القول بقدر من الاطمئنان إن القراءة بخلفية مسبقة إما هي موجودة بشكل طبيعي، متمثلة في الأفكار الاجتماعية أو الثقافية التي يحملها أي شخص، أو في قراءاته السابقة، كما أنها مطلوبة حين عدم توفرها مع انفتاح كامل لاستيعابها وربما إعادة تدويرها أو إنتاجها ثانية، مع تعديلها بما يتناسب مع قناعات وتوجهات كل قارئ.