آخر تحديث: 28 / 6 / 2025م - 4:19 ص

لعنة

محمد العلي * مجلة اليمامة

تشتد في داخلي رغبة بركانية في أن ألعن شيئا ما، هكذا بدون سبب، وحين شرعت في تنفيذ هذه الرغبة تقاطرت عليّ الخيارات: ماذا ألعن؟ أو من ألعن؟ هل ألعن هذه الشجرة التي أمام نافذتي، والطافحة بالليمون اللذيذ؟ وتذكرت قول الشاعر العراقي علي الشرقي:

يا رامي الشجر العالي بأكرته

هلا تعلمت أخلاقا من الشجر

ترميه بالحجر القاسي لترجمه

وأنه دائما يرميك بالثمر

هل ألعن البحر القريب مني، محتجّا بمواكب الغرقى الذين جرفهم بدون رحمة؟ ولكن البحر يهبنا اللؤلؤ والمرجان، ويهبنا / وهذا هو الأهم / الأمطار والأنهار والزرقة التي تسر الناظرين. فتراجعت، مسرعا، عن هذا الخيار وعن أي خيار يتعلق بالطبيعة ولكني تلفت فرأيت حولي أربعة جدران من الكتب وهي تعني أفعالا بشرية لها غاياتها، فوقفت متفكرا، هل ألعن كتابا معينا منها أو ألعنها كلها؟

هنا بدأت الحيرة المفرغة، فالكتب لا تعني هذا الورق المسود بالكلام، بل تعني قافلة طويلة من المؤلفين، وكل واحد منهم له نواياه وأهدافه في التأثير عليك وعلى غيرك. وتلك الأهداف مختلفة حتى حدود التناقض: فهذ يريد أن يدخلك في قفص من الأوهام لا تستطيع الخروج منه، وذاك يريد أن يضيء في قلبك مصباحا معرفيا، يجعل عينيك أكثر اتساعا مما هما. وهنا عليك أنت أن تختار. والاختيار ليس سهلا؛ لأنه يرتبط بمدى الحرية لمن يختار، ومدى تعدد الخيارات، وبالبيئة الاجتماعية، وبالزمن. وتلك عقبات كأداء، على من يختار أن يتخطاها.

حين وصلت إلى هذا المأزق، فكرت في رفع العبء عن كاهلي، بأن أترك الكتابة عن هذا الموضوع المنهك، وأذهب إلى مقهى «المعلّم كرشة» على البحر، وهكذا فعلت. وبينا أنا في نشوة من الزرقة، وإذا أنا بفكرة تعصف بي، وكأنها الشيطان الرجيم، وكأن لها لسانا فصيحا يقول: ألا تستحي من هذا الموقف؟ لو أن كل من أشاعوا النور في العالم، وقابلوا الصعاب بصبر الجبال، وقفوا موقفك هذا، لبقي البشر في الكهوف. ماذا تقول لوجهك حين تقف صباحا أمام المرآة، وتراه وقد تلطخ بالهزيمة، واسود من الانكسار؟ هل تعطي له ظهرك وتقول له: لا لست وجهي؟ نعم، سأقول له ذلك براحة بال، وسأكسر المرآة، بل جميع المرايا، ولكن هناك مرآة لا أستطيع كسرها، إنها الماء.

كاتب وأديب