آسياء آل داؤود.. معلمة تقود مبادرة نوعية لدمج منسوبات التعليم في التطوع الوطنية

قادت معلمة العلوم بالمدرسة المتوسطة الثانية بصفوى، آسياء نعمة آل داؤود، مبادرة نوعية لدمج منسوبات مدرستها في منظومة العمل التطوعي الوطنية. في خطوة ملهمة تهدف إلى ترسيخ ثقافة العطاء المؤسسي.
المبادرة، التي تمثلت في ورشة عمل متخصصة ومسابقة تنافسية، لم تهدف فقط إلى زيادة الوعي، بل إلى قياس الأثر وتحويل التطوع من ممارسة فردية إلى سلوك مؤسسي مستدام، يتناغم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وتوجت هذه التجربة بورقة علمية متخصصة ستشارك بها المعلمة في أحد المؤتمرات، لتوثيق النتائج وتقديم نموذج عملي يمكن تعميمه.
في هذا الحوار، تسلط المعلمة آسياء آل داؤود الضوء على أبعاد مبادرتها الرائدة وأثرها في الميدان التربوي.
ج: الهدف تمحور حول ثلاثة جوانب متكاملة؛ أولاً، نشر ثقافة العمل التطوعي المنظم من خلال تدريب منسوبات المدرسة على استخدام المنصة الوطنية للعمل التطوعي والتقدم للفرص المتاحة. ثانيًا، توضيح الجانب التقني لكيفية انعكاس الساعات التطوعية المنجزة في نظام ”فارس“ وطباعة التقارير الرسمية. وثالثًا، إجراء دراسة عملية لقياس أثر المبادرة عبر مسابقة ”ماراثون الساعات التطوعية“، والتي رصدت الزيادة في ساعات التطوع على مدى شهرين.
ج: تتناغم المبادرة بشكل كامل مع توجهات وزارة التعليم الساعية لتعزيز المسؤولية المجتمعية، وتصب مباشرة في قلب مستهدفات رؤية المملكة 2030، وتحديدًا الوصول إلى مليون متطوع.
الوزارة تهدف إلى دمج التطوع في الأنشطة التعليمية، ومبادرتنا هي ترجمة عملية لهذه الرؤية على أرض الواقع، حيث نسهم في تمكين الكوادر التعليمية من الأدوات اللازمة للمشاركة بفعالية في الحراك التطوعي الوطني.
ج: أهميته كبيرة جدًا. فالمعلمة هي قدوة للطالبات، ومشاركتها تغرس فيهن قيم العطاء والانتماء. على المستوى المهني، يمنحها التطوع فرصة لتطوير مهارات حياتية وقيادية لا تكتسبها بالضرورة داخل الفصل، كإدارة المشاريع والتواصل المجتمعي. كما أنه يعمق علاقتها بالمجتمع المحلي واحتياجاته، ويعزز شعورها بالإنجاز والرضا النفسي، مما ينعكس إيجابًا على أدائها ورسالتها التربوية.
ج: عنوان الورقة هو: ”دراسة أثر ورشة عمل ومسابقة ماراثون على زيادة ساعات العمل التطوعي“ قبل وبعد ”لدى منسوبات المتوسطة الثانية بصفوى“. الورقة هي التوثيق العلمي للمبادرة، حيث تدرس بشكل منهجي أثر هذا التدخل ”الورشة والمسابقة“ على سلوك المشاركات التطوعي.
الهدف هو إثبات أن الجمع بين التوعية والتحفيز له أثر إيجابي وملموس يمكن قياسه، وتقديم نموذج عملي يمكن للمدارس الأخرى الاستفادة منه لتفعيل دورها في المسؤولية المجتمعية.
ج: كانت الورشة تفاعلية وعملية إلى أبعد حد. ركزنا على محاور أساسية تبدأ بالتعريف بالمنصة الوطنية ككيان رسمي، ثم انتقلنا خطوة بخطوة لشرح طريقة التسجيل واستعراض الفرص المتاحة في مختلف المجالات. ومن النقاط التي لاقت اهتمامًا كبيرًا، شرح آلية ربط الساعات المنجزة بنظام ”فارس“، واستعراض ملفي التطوعي كنموذج حي.
أما التفاعل، فكان استثنائيًا ومتعدد الأبعاد. معرفيًا، كانت الأسئلة دقيقة وعميقة حول صلاحيات المستخدم وإمكانية إنشاء فرص خاصة بالمدرسة. سلوكيًا، لم يكتفين بالاستماع، بل قامت بعض المعلمات بالتسجيل في المنصة أثناء الورشة، وعرضن أفكارًا لمبادرات مستقبلية.
وعاطفيًا، كان الحماس واضحًا والرغبة في المشاركة المجتمعية عالية جدًا، خاصة بعد أن أدركن سهولة الوصول لفرص موثوقة.
ج: الأثر كان فوريًا وملموسًا. أبرز ما لاحظته هو التحول في الوعي؛ حيث ترسخ لديهن مفهوم ”التطوع المؤسسي المنظم“ كجزء من المسؤولية الوطنية، بدلاً من النظرة التقليدية للتطوع كعمل عشوائي. على المستوى المهاري، اكتسبن معرفة تقنية مباشرة بكيفية استخدام المنصة بكفاءة وأمان. والأهم هو الأثر السلوكي، حيث ألهمت الورشة الكثيرات للبدء في التفكير بتصميم مبادرات تطوعية خاصة بهن ودمجها في الأنشطة المدرسية، مما يعزز من بناء شخصيات قيادية ومسؤولة بين الطالبات في المستقبل.
ج: الفكرة كانت بسيطة وفعالة: وهي الانتقال من المعرفة إلى التطبيق عبر خلق روح من التنافس الإيجابي. بعد أن امتلكت المشاركات الأدوات المعرفية من الورشة، جاء الماراثون ليحفزهن على المشاركة الفعلية. على مدى فترة زمنية محددة امتدت من شهر رمضان وحتى نهاية ذي القعدة، تنافست المشاركات ال 26 على تحقيق أكبر عدد من الساعات التطوعية الموثقة في المنصة الوطنية، مع تقديم جوائز تقديرية للفائزات. الهدف لم يكن مجرد المنافسة، بل تفعيل ثقافة التطوع بشكل عملي ورفع عدد الساعات للمساهمة في تحقيق مستهدفات الرؤية الوطنية.
ج: نعم، النتائج كانت مشجعة جدًا وتؤكد نجاح الفكرة. من خلال المقارنة المنهجية للساعات التطوعية ”القبلية“ و”البعدية“، لاحظنا زيادة ملحوظة وموثقة في إجمالي الساعات، وهو ما يثبت أن الجمع بين التوعية والتحفيز يؤتي ثماره. والأجمل من الأرقام هو قصص النجاح التي برزت؛ حيث كان لدينا فائزات حققن عددًا كبيرًا من الساعات، وأصبحن نماذج ملهمة داخل مجتمع المدرسة، مما يثبت أن الشرارة التي أطلقناها في الورشة قد تحولت إلى شعلة من العطاء المستمر.
ج: واجهنا تحديات متوقعة، أبرزها ضعف الوعي المسبق بالمنصة لدى بعض المشاركات، والحاجة لتبسيط المفاهيم التقنية. كان هناك بعض التردد الأولي بسبب ضغط العمل، بالإضافة إلى تحديات تقنية بسيطة وصعوبة إيجاد الوقت المناسب في الجدول المدرسي. تغلبنا على ذلك بالصبر، والتوعية المستمرة بأهمية التطوع كقيمة مضافة مهنيًا ووطنيًا، وتقديم الدعم الفني المباشر، وتصميم برنامج مرن لا يتعارض مع الالتزامات الأساسية، مما ساعد في تحويل التردد إلى حماس ومشاركة.
ج: النجاحات كانت متعددة وفاقت التوقعات. على رأسها الارتفاع الفعلي والموثق في عدد الساعات التطوعية، وتحول المنصة الوطنية إلى أداة مألوفة ومنتظمة الاستخدام. لكن النجاح الأعمق كان في تعزيز ثقافة التطوع المؤسسي داخل المدرسة، حيث نشأ حراك داخلي وروح فريق رائعة. كما لمسنا تطورًا في المهارات الشخصية للمشاركات كالقيادة والتخطيط، وتحسنت الصورة المؤسسية للمدرسة كبيئة تعليمية رائدة تتبنى قيم العطاء.
ج: خططنا المستقبلية طموحة وتتركز على الاستدامة والتوسع. نسعى أولاً لإشراك فئات جديدة في المبادرة، وعلى رأسهن الطالبات وأولياء الأمور، عبر ورش عمل مخصصة وإنشاء أندية تطوعية طلابية. ثانيًا، نهدف لتحويل المبادرة إلى برنامج سنوي مستدام ومجدول ضمن الخطة التشغيلية للمدرسة. والأهم، هو العمل على تصميم حزمة تدريبية إلكترونية قابلة للتطبيق، لنقل هذه التجربة إلى مدارس أخرى، بحيث لا يبقى الأثر محصورًا في مدرستنا، بل يمتد ليساهم في الحراك التطوعي على مستوى أوسع.
ج: الورقة العلمية هي التوثيق الأكاديمي للمبادرة، وقد اتبعتُ فيها المنهج شبه التجريبي بتصميم المجموعة الواحدة مع قياس قبلي وبعدي، لأنه الأنسب علميًا لقياس أثر المبادرة. أما الفرضية الرئيسية فكانت واضحة ومحددة: هي وجود فروق ذات دلالة إحصائية ”عند مستوى 0.05“ في متوسط عدد ساعات العمل التطوعي لدى منسوبات المدرسة قبل تطبيق ورشة العمل والمسابقة وبعدهما. والحمد لله، النتائج الأولية تؤكد تحقق هذه الفرضية.
ج: رسالتي الأساسية هي أن الاستثمار في مجتمعات التعلم المهني داخل مدارسنا، وربطها بالمنصات الوطنية عبر برامج تدريبية محفزة وموجهة، ليس مجرد نشاط، بل هو استثمار ذو أثر مباشر وملموس يمكن قياسه لتعزيز المشاركة التطوعية. هذه الدراسة تثبت أن الجمع بين التوعية ”"ورشة أسرار المنصة“ ”والتحفيز التنافسي“ ”مسابقة الماراثون“ " يخلق بيئة قادرة على تحويل التطوع من فكرة إلى ممارسة مستدامة.
وبناءً على ذلك، أقدم عدة توصيات للميدان التربوي، أبرزها ضرورة تعميم هذا النموذج الناجح، وإدراج العمل التطوعي ضمن معايير التقييم والتميز للكوادر التعليمية، وتخصيص وقت له في الخطط المدرسية، وتوفير حوافز مادية ومعنوية للمتميزين، مع الاستمرار في تطوير برامج تدريبية متقدمة في هذا المجال الحيوي.
ج: أوصي بنموذج بسيط وفعال أثبت نجاحه: أولاً، عقد ورش عمل تعريفية وتطبيقية حول المنصة الوطنية للعمل التطوعي لإزالة أي حاجز معرفي أو تقني. ثانيًا، إطلاق مسابقات تحفيزية، مثل ماراثون الساعات التطوعية، لخلق حراك تنافسي إيجابي يحول المعرفة إلى ممارسة فعلية. هذا الجمع بين التوعية والتحفيز هو مفتاح النجاح.
ج: الرؤية هي تحويل المبادرة من نشاط داخلي إلى نموذج تطوعي متكامل ومجتمعي. بالنسبة للطالبات، يتم ذلك عبر ورش عمل مخصصة لهن، وفتح حسابات رسمية لهن على المنصة، وإطلاق مسابقات طلابية ومشاريع ميدانية. أما أولياء الأمور، فيمكن إشراكهم عبر لقاءات توعوية تحت شعار ”التطوع كأسلوب حياة أسري“، وتشجيعهم على المشاركة في فعاليات المدرسة كداعمين أو مشرفين، وحتى إطلاق مبادرات تطوعية أسرية.
ج: مستقبل العمل التطوعي في مدارسنا ليس فقط واعدًا، بل هو ضروري ورافعة استراتيجية لتحقيق رؤية 2030. أرى أن المدارس ستتحول من كونها مؤسسات تعليمية فقط إلى مراكز تفاعلية للمسؤولية المجتمعية. سيصبح التطوع جزءًا من هوية المدرسة ومنظومتها التقييمية للطالب والمعلم، مع ظهور ”قادة تطوع مدرسيين“ متخصصين. سنرى زيادة في استخدام المنصات الرسمية والشراكات المجتمعية الفاعلة، وسيصبح التطوع الأداة التربوية الأهم لتعليم القيم عبر التجربة والممارسة، لا التلقين.
الخلاصة، ستكون المدارس محاضن لصناعة مواطنين فاعلين ومبادرين يسهمون في نهضة وطنهم لا بالعلم وحده، بل بالعمل والعطاء أيضًا.
ج: في الختام، أود أن أتوجه بجزيل الشكر والتقدير إلى قائدتي ومديرة المدرسة هدى حامد الغامدي. فنجاح هذه المبادرة لم يكن ليتحقق لولا مباركتها ودعمها منذ اللحظة الأولى، سواء من خلال تزويدي بالبيانات والإحصائيات اللازمة لقياس أثر المبادرة، أو من خلال تحفيزها وتقديرها للجهود. هذا الدعم القيادي هو المحرك الأساسي لأي تطوير ونجاح في بيئتنا التعليمية.