آخر تحديث: 18 / 6 / 2025م - 12:16 ص

”صديقات العمر“.. أم صديقات الأزمات؟

سلمان محمد العيد

”صديقات العمر“ مسلسل تلفزيوني كويتي، أُنتج وعُرض عام 2014، أخرجه السوري منير الزعبي، وكتبته الكويتية أنفال الدويسان، وهو يروي قصة أربع صديقات من بيئة اجتماعية واحدة، وإن تعددت الظروف الأسرية والخلفيات الثقافية لدى كل واحدة، والثابت الوحيد في هذه العلاقة هو الحب الكامن بينهن، والذي يبلغ من الشفافية والوضوح والصراحة الشيء الكثير.

ومن خلال سيرة الصديقات الأربع «هند، مريم، عائشة، نجلاء»، يمكن أن نحقق إطلالة على بعض الظروف الاجتماعية، في منطقة الخليج، وآلية التعامل معها، بالسلب والإيجاب، لتؤكد قصة المسلسل بأن الحلول واردة وممكنة، ولكن بخيارات مختلفة، تحددها الظروف والمقتضيات.

الأزمة.. من هنا تبدأ

ومن خلال عرض أحداث المسلسل، الذي يمكن مشاهدته على مدار ثلاثين حلقة، يمكن القول بأن أهم مصادر المشكلة الاجتماعية تأتي في الأصل من المنزل، والمتمثل في غياب النظام العادل في بعض الأسر، والذي يأتي عادة من غياب الأب عن إدارة المشهد الأسري لأي سبب كان، فتأتي النتائج السلبية جراء ذلك، ويظهر هذا الأمر لدى الصديقات الأربع، كل بطريقة وبصورة خاصة.

ففي حالة الصديقة الأولى هند «فاطمة الصفي»، التي تربت يتيمة لدى زوج والدها «الخالة حسب المصطلح»، مع وجود والدها محمد «عبدالله ملك»، لكن هذا الوالد رغم طيبته وحبّه وتقديره لابنته لم يستطع أن يمنع الجور لدى الخالة فاطمة «باسمة حمادة»، لأنه في لحظة ود كتب صك البيت باسم زوجه، فصارت تهدده بالطرد بين فترة وأخرى، كما دفعها ذلك لممارسة شتى أشكال الظلم بحق ابنة زوجها هند، من الضرب والسب وحتى التشكيك في النسب، وجعلها خادمة لها ولأبنائها حتى في منتصف الليل، وبلغ جورها أن ألغت عليها مشروعي زواج ناجحين من اثنين من دكاترة الجامعات تقدما لها في وقتين متفرقين، أحدهما بحيلة وافتراء جعلته زوج ابنتها سلمى «أميرة النجدي» تلك البنت متواضعة الذكاء لدرجة الغباء، الكسول الفاشلة في كل شيء حتى في زواجها، والثاني تحدثت مع أم هذا الدكتور بأن البنت المراد الزواج منها ليست أصيلة، وهي بنت حرام، ولم تقل ذلك إلّا من باب الصدق والأمانة.

إن غياب الأب، حتى لو كان حاضرا جسديا، يؤدي لأن يقوم بدوره من هو غير أهل له، وهذا ما حدث أيضا للصديقة عائشة «بثينة الرئيسي»، الذي هي بنت أسرة متدينة، وأبوها رجل فاضل ومحاضر في إحدى الجمعيات الإسلامية، لكنّه غاب في مسؤولياته العامة، ليترك الدور قليلا لابنه المتزمت معاذ «عبدالله الطراروة»، الذي بلغ من تزمّته باسم الدين أن تزوج أربع مرّات انتهت كلّها بالطلاق، والذي تم في الحالات الأربع بسبب فهمه الخاطئ للدين، خصوصا في العلاقة مع المرأة. لكن هذا الأب أبو معاذ «سليمان الياسين» متدين بحق، أعاد البوصلة مرّة أخرى وتصدى، ولم يترك الحبل على الغارب، وحتى عندما تزوج من ثانية لم يكن ظالما ولا جائرا بحق زوجه الأولى، وأعطى صورة حقيقة لمثال المتدين الحق، وقد سار على نهجه ابنه صهيب «عبدالرحمن الصايغ»، وابنته عائشة «بثينة الرئيسي».

والحال نفسه وإن بصورة مغايرة جرى مع الصديقة مريم «صمود الكندري»، والتي عاشت ظروفا خاصة، إذ أن والدها الحاج عبدالرحمن «أحمد الهزيم» كان حاضرا في حياتها اليومية، وكان رجلا فاضلا حنونا طيب القلب، عدا أن مشكلته أنه تزوج أمّها كوثر «مي عبدالله» وهي تفرقه في العمر بكثير، فلم يحدث التمازج العاطفي المطلوب بينهما، ما أدى إلى انصراف هذه الزوجة إلى خيارات غير مقبولة اجتماعيا ودينيا وأخلاقيا، كأن تعقد علاقة حب مع الطبيب المعالج لزوجها المريض، وفي كل مرة كان تعاير ابنتها بأن عمرها ضاع مع هذا الرجل الكهل العجوز، مما تسبب هذا في وفاة الوالد، فغاب الوالد وبدأ التأزم لدى مريم، وصبّت جام غضبها على أمّها واعتبرتها السبب في هذا الموت.

إن غياب الوالد مهما تعددت أشكاله سيئ على الأولاد، خصوصا الأنثى، ويكون أسوأ حينما يترافق مع غياب الوالدة «بالوفاة القسرية، أو بالبعد المتعمّد، أو الإهمال، أو....»، فتوكل الأمور إلى الخالة «زوج الأب»، كما حدث للصديقة هند «فاطمة الصفي»، فجاءت تفاصيل حياتها كتلة من المعاناة والتعب وعدم التقدير، رغم تميّزها اللافت في كل شي، خصوصا في الدراسة وإتقان أعمال المنزل. والحال نفسه مع الصديقة عائشة «بثينة الرئيسي»، فوالدها الذي غاب مؤقتا لخدمة المصلحة العامة، في حين أن والدتها حصة «طيف» كانت شبه غائبة، كونها اقتصرت على أن تكون سيدة منزل بمعناه البحت «الطبخ والغسيل وتربية الأولاد»، حتى أنّها بلغت من طيبة قلبها أن قامت بتربية بنت ضرّتها بكل حنان وطيبة، بخلاف مريم «باسمة حمادة» التي لم ترحم بنت ضرّتها الراحلة. ولم يكن أمر الصديقة نجلاء «هنادي الكندري» بعيدا عن واقع صديقاتها، فالوالد أحمد «شهاب حاجية» كان حاضرا بجسده في حياتها، لكنه غائب في الوقت نفسه عنها وعن تفاصيل يومياتها، فهو رجل أعمال مشغول بشركته وأسفاره المتعددة، ووالدتها هيفاء «أمل عبدالكريم» مشغولة هي الأخرى بحياتها الاجتماعية وجلسات السمر مع صديقاتها، ما أدى لأن تكون البنت متمردة على المدرسات، جانحة في السلوك الاجتماعي لدرجة أن تم القبض عليها في خلوة غير شرعية كادت أن تودي بحياتها وسمعتها وسمعة أهلها الاجتماعية، والسبب ضعف الرقابة المنزلية، وغياب الوالدين عن شتى شؤون ابنتهما الوحيدة، لدرجة أنّها أخذت جواز سفرها صباحا وقصدت الخارج، ولم يعلم الوالد والوالدة بذلك إلا في الليل، ولم يتدخل هذان الوالدان في أمر هذه البنت إلّا في حالة واحدة حينما قامت مدرسة اللغة العربية بمنحها العلامات اللائقة بها وبمستواها المنخفض جدا، فاستغلا نفوذهما ليعاد الامتحان لها، وتمنح بالواسطة علامة قويّة لا تستحقها، ولم تكن تحلم بها في يوم من الأيّام. والمفارقة هنا أن الوالدين أحمد وهيفاء يتبادلان الاتهامات في مسألة الإهمال للبنت الوحيدة لديهما.

العنصر الخارجي:

حينما يكون أعضاء المنزل منسجمين مع بعضهم، تكون الأمور سلسلة في الغالب، وتسير وفق الهدف المطلوب، وحينما يدخل عنصر آخر في النظام، قد يحدث بعض الإرباك، وقد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، ولكن ليس في كل الأحوال، بل يعتمد على جملة من المعطيات، هذا ما جرى أيضا للصديقات الأربع.

فالأولى «هند» ولدت ولم تر عينها غير خالتها «زوج والدها»، ورأت الظلم بكامل مواصفاته، والسبب كما سبق القول أن هذه الخالة «فاطمة» لم تشأ أن تحب بنت ضرّتها، ولم تنصفها، ولم تعطها حقها، بل صادرته بأبشع الصور، لدرجة أنّها حمّلتها مسؤولية فشل ابنتها في الزواج واتهمتها بالسحر، ونتيجة هذا التمييز والتفرقة بين الإخوة، عمدت هند «فاطمة الصفي» إلى ضرب أختها سلمى «أميرة النجدي» أمام جمع من الطالبات والمعلّمات، لأن هذه الأخيرة نقلت بعض ما سمعته من والدتها من كون أختها بنت حرام «لقيطة»، وفي تطوّر درامي قامت بدس الدواء المسهل في العصير لأخيها غير الشقيق خالد يوم كان طفلا، كما قامت بمحاولة قتل خالتها، والسبب في ذلك هو غياب حنان الأم، ودخول الخالة مكانها بهذه الصورة السلبية.

وإذا جئنا إلى الصديقة الأخرى عائشة «بثينة الرئيسي» نجدها تمر بظرف قريب من صديقتها، لكنه أقل حدة، إذ عمد والدها «سليمان الياسين» إلى خطوة التعدد في الزواج، وكادت أن تحدث مشكلة، لكن حكمة الأب وطيبة الأم منعت حدوث ذلك، فسارت الأمور في طريقها الصحيح، وعاد البيت إلى استقراره، ولم تكن أزمته من هذا الجانب، بل من جوانب أخرى تتعلق بسلوك الابن معاذ، والذي يتزيا بلباس الدين. لكن هذه الصديقة عانت من مشكلة التعدد بعد أن تزوجت بابن جارتهم جاسم «أسامة المزيعل»، الذي لم يشفع لزوجته أن أنجبت له ستة أولاد «خمسة أولاد وبنت»، ورغم تحمّلها لأبشع صفات الأزواج وهو البخل، إذا به يفاجئها بضرّة وضرّتين، ولم يبق له منهن سوى زوجته الأولى التي تحمّلت به في مرحلة عجزه. والسبب في ذلك هو دخول عالم تعدد الأزواج بدون تدين وبدون علم، وبدون الهدف الذي أراده الإسلام من تشريع تعدد الزوجات.

وأما الصديقة مريم «صمود الكندري» فقد انفصمت علاقتها مع والدتها بسبب دخول الدكتور صالح «يوسف العبدالله» الذي كان بذاته عنصرا إيجابيا، لكنّ علاقته التي تمّت مع كوثر «مي عبدالله» لم تكن سليمة، إذ ليس جائزا من الناحية الشرعية ولا الأخلاقية ولا الاجتماعية أن يعقد رجل ما علاقة مع سيّدة وهي لا تزال على ذمة رجل آخر، ومع أنّه قد توّج تلك العلاقة بالزواج الشرعي بعد وفاة الزوج الأول عبدالرحمن «أحمد الهزيم»، لكنّه لم يكن يحظى برضا الصديقة مريم «صمود الكندري»، التي شعرت بشيء من الحنق، لكنّها تصالحت فيما بعد مع والدتها وعمّها «زوج أمّها»، لأن المنطق والمصلحة عادا إلى نصابهما لدى الجميع، وذلك في إشارة إلى أن المشكلة والعداوة لا ينبغي أن تستمر على طول الخط.

وهنا تجدر الملاحظة بأن دخول العنصر الخارجي على الحياة الأسرية قد يأتي من طرف لا يدخل المنزل دائما، ولن يتحوّل جزءا من المنظومة الأسرة، كأن يكون الوالد مشغولا بحياته وعمله، والوالدة مشغولة بحياتها وصديقاتها، هذا ما واجهته الصديقة نجلاء «هنادي الكندري»، فكان المؤثر والعامل السلبي في حياتها، ليس ضرّة، ولا أخوة غير أشقاء، بل ثقافة سلبية سار وفقها والدها ووالدتها، حتى أنّهما كانا لا يرغبان في الإنجاب، فسمعت من والدتها تتحدث لصديقتها بأن إنجاب هذه البنت كان حلالا ولكن من غير قصد «أي بالخطأ»، فظلّت ترى نفسها بنت خطيئة، رغم أنّها بنت شرعية من والد ووالدة. هذه الحالة أفرزت جملة من المشكلات لدى البنت، في حياتها الدراسية، وفي علاقاتها الاجتماعية، رغم أنّها الأفضل من بين صديقاتها في الجوانب المالية، فلم يكن والدها يبخل عليها بشيء، وتجسد هذا في جملة من المشكلات النفسية والسلوكية لدى هذه الصديقة.

سوء العاقبة:

كبر الصديقات، ودخلن مراحل عمرية مختلفة، وحياة أخرى، وهي الجامعة والعمل، وهل انتهت مشكلاتهن؟ وهل صرن في الطريق السليم؟

بكل أسف، يأتي الجواب سلبيا، كما قالت أحداث المسلسل.

فالأولى هند «فاطمة الصفي» بعد أن تعقدت الأمور مع خالتها فاطمة «باسمة حمادة»، وبعد أن قامت هذه الأخيرة بوضع العصا في الدولاب، وحرمانها من الزواج من أستاذها في الجامعة، قامت بخنق خالتها وكادت أن تقتلها لولا تدخل والدها محمد «عبدالله ملك»، فتم الاتفاق بين الوالد والخالة على تزويجها بأول شخص يتقدم لها، وهذا الهدف كان يلتقي مع رغبة لدى هند بالخروج من هذا المنزل، فكان زواجها من موظف حكومي غير ملتزم بدوامه، ولا ملتزم بمسؤولياته تجاه زوجه ولا أولاده، فالأصل من الزواج لم يكن طبيعيا وإنّما كان محاولة للهروب من هذا المأزق.

وأما الصديقة الثانية عائشة «بثينة الرئيسي» فكان زواجها تقليديا بحتا، بناء على تقييمات والدتها، وسمعة عائلة المتقدم جاسم «أسامة المزيعل»، الذي ظهرت صفاته الحقيقية بعد الزوج، فكان بخيلا، صلفا، ولا يهمه سوى زيادة عدد الأولاد، في المقابل كانت هي نعم المرأة لبئس الرجل، الذي لم تسمع منه كلمة طيبة، حتى بعد سقوطه المدوي في حادث مروري بالسعودية، وإصابته بالشلل الرباعي.

وأما الصديقة الثالثة مريم «صمود الكندري»، فقد تزوجت بواحد متواضع من الناحية المادية، لكنّه مخلص للحياة الأسرية، وكان زواجهما عن علاقة حب قوية أيّام الجامعة، لكنّها بعد الزواج رأت أن الحياة لا تقوم على الحب فقط، بل تحتاج إلى المادة والرفاهية، والسبب في ذلك أن هذه الصديقة بدأت تقارن نفسها بصديقتها الثرية نجلاء «هنادي الكندري»، فصارت تضغط على زوجها فيصل «عبدالله الباروني»، فاضطرته لأن يأخذ القرض تلو القرض، وينفقها على نمطها الاستهلاكي الجديد، حتى انتهى الأمر به إلى السجن.

وضمن هذا التحوّل تأتي الظروف مرهقة قليلا للصديقة نجلاء «هنادي الكندري»، التي تأخرت عن صديقاتها الثلاث في الدخول إلى بيت الزوجية، رغم كثرة الخاطبين لها، ورغم ضغط والديها عليها، لكنّها اختارت واحدا من عشّاقها فاقترنت به، مع علمها أنّه يحب أموال والدها قبلها، لكنّها نجحت في هذا الشأن إذ أن الزوج جاء واضحا أمامها.

المفارقة أن الصديقات الأربع، اللائي كنّ متفقات في كل شيء، ويرفضن كل الظروف العائلية التي جرت لهن، نجد أنّهن مارسن الفعل ذاته وإن بصورة مختلفة قليلة، وربما ساهمت الظروف في تحقيق ذلك.

فالأولى هند صارت مستبدة في بيتها، وتفرض رأيها في كل شيء على زوجها، الذي تخلّى هو عن دوره وعن مسؤولياته، فصارت مشابهة مع خالتها فاطمة. فالمظلوم بات يقلد الظالم، وإن لعبت الظروف في تحقيق ذلك، لأن زوجها المحترم ترك الجمل بما حمل، يهمل في دوامه فيخصم من راتبه، فلا يقوم بالصرف على أولاده، وفي حال حصل على مبلغ مالي من والدته لا يقوم بصرفه بطريقة لائقة، كأن يقصد الكماليات «الساعة والقلم والخاتم» على حساب الأساسيات.

أما الثانية مريم، التي انتقدت والدتها على توجهها المادي، إذا بها تمارس الدور نفسه مع زوجها، حتى تم سجنه، ولم تكتف بذلك بل طلبت الطلاق منه وهو في السجن، في مشهد يجسد حالة الجشع والسيطرة المادية على العقل الإنساني.

وتأتي الثالثة عائشة التي انتقدت والدتها على التعامل مع زوجها، وعدم مبالاته به، وهي تعلم أنّه قد اقترن بامرأة أخرى، نجدها ورغم غضبها من الزواج الأول لزوجها المستهتر، نجدها لا أبالية تجاه زواجه الثالث والرابع.

أما الرابعة نجلاء فهي التي كانت ذات تصرفات غير مسؤولية أيّام فترة سن مراهقتها، لكنّها كانت منطقية في حياتها الأخرى، فاختارت الزوج الذي أحبّته، لكنّها تأخرت في الزواج بسبب كبرها وغرورها، وهي التي كانت تنتقد والدتها على جملة من السلوكيات التي تمارسها..

في الختام وقفة:

قبل أن نختم هذه الوقفة مع هذا المسلسل نشير إلى عدة نقاط نراها هامة في هذا الشأن:

1/ الظلم الدنيوي لا ينتهي بدون عقاب. تلك قاعدة ربّانية، نشهدها كل يوم. لعل أبرز من طاله الظلم هو الصديقة هند «فاطمة الصفي» من خالتها، فجاء الانتقام ثلاثيا، ابتدأ بأن يزج ابنها خالد «فيصل فريد» في السجن بتهمة القتل، فضلا عن الترويج للمخدرات، ثم يأتي السهم الثاني وهو طلاق ابنتها سلمى «أميرة النجدي»، وجاء الطلاق بائنا «بالثلاث طلقات»، ورغم هذين السهمين الجارحين لكنّها لم تتخل عن طبيعتها، فلم تكف عن مضايقة بنت زوجها حينما اضطرتها الظروف المالية لأن تلجأ للسكن في منزل والدها الكبير، فأسكنتها في الملحق في ظروف سيئة للغاية. بعد ذلك جاء السهم الثالث وهو إصابتها بسرطان الكلى لترقد على السرير الأبيض، ليجبرها الظرف الصحي لأن تطلب من هند «التي مارست أقسى أنواع العذاب بحقها» أن تسامحها، فلم تمنحها هذا الشرف، حتى فارقت الحياة آثمة ظالمة.

كما يبدو أن أسوأ عاقبة للظالم أن يكون تحت رحمة المظلوم، ف ”يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم“.

والنموذج الثاني من الظلم هو ما تعرّضت له عائشة «بثينة الرئيسي» من زوجها جاسم «أسامة المزيعل» الذي تحمّلت بخله وقساوته، ليقابله بزوجات ضرائر، انقلبن عليه هن بأنفسهن، فواحدة «السورية» طلبت أن تسافر لرؤية أهلها في سوريا فذهبت ولم تعد، وأما الثانية «المصرية» فقامت بتهزئته وضربه أيضا وغادرت عن حياته، ومع ذلك لم يتوقف فقصد السعودية وتعرّض لحادث مروري أصابه بشلل رباعي.

2/ الصداقات التي تستمر لما بعد المرحلة الثانوية، هي نادرة في الغالب، خصوصا لدى العنصر النسائي، لكن صداقة الصديقات الأربع لما بعد الجامعة، حتى إن إحداهن قالت لزوجها المستبد بأن الصداقة مع هؤلاء خط أحمر. الصداقة مقدسة، لكن لا تمنع الاختلافات القسرية، الناجمة عن الظروف الاجتماعية، والمستويات الذهنية، بدليل أن الصديقات الأربع يتبادلن المودة والمحبة، لكن كل واحدة منهن تبدي ما لديها تجاه صديقتها، بكل ثقة، لتستقبلها بالقبول أو الرفض.

3/ ليس كل ما يتفق عليه الناس هو ثابت لا يتزلزل، فالانطباع لدينا أن المتدين هو إنسان صالح، ولكن الواقع يثبت أن ليس كل متدين هو صالح بالضرورة، ليس الإشكال في الدين، بل في التدين نفسه الذي قد يكون مزيّفا، والدليل أورده المسلسل بأن أخوين شقيقين في منزل واحد هما «معاذ، وصهيب» أبناء مساعد، كلاهما متدينان لكن أحدهما صالح، والآخر فاسد في المضمون، وإن تلبّس بالشعارات الدينية. كذلك الحال ليس كل ضرّة هي ضارة، وهنا نموذج «فاطمة وحصة».

4/ المعاناة المادية، حاضرة في المسلسل، فـ ”الخليج ليس نفطا“، أي أن هناك من هم يسكنون الشقق، وبالإيجار، وهناك من يسجن بسبب الديون، بالتالي فلا معنى لإظهار المجتمع الخليجي على أن كل أبنائه براميل نفط، هناك الفقير والميسور والثري.... الخ.. من هنا فينبغي الالتفات إلى أن الموضوع المادي قد يكون مصدرا لجملة من المشكلات الاجتماعية التي لا يحمد عقباها، منها الطلاق والنزاع العائلي

تلك هي قصة صديقات العمر، ذلك المسلسل الخليجي الجميل، الذي كان بإمكان المؤلفة أن تجعل من قصة كل صديقة مسلسلا منفردا بذاته، لكنّها أدمجت القصص مع بعضها، لتؤكد بأن لكل إنسان ظرفا خاصا به، ليس بالضرورة أن يتفق مع صديقه أو حتى أخيه ابن أمّه وأبيه.

وجهة نظر خاصة والله الموفق

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
علي الزاهر
17 / 6 / 2025م - 1:25 م
ذكرت نقطة مهمة في النهاية وهي: الخليج ليس نفطا، وفعلا المسلسل كشف جانب واقعي مغيّب في أغلب الدراما الخليجية. ليش دايما نظهر الثراء والبذخ؟
2
سارة حسن
17 / 6 / 2025م - 3:21 م
يعطيك العافية أستاذ سلمان لكن المقال طويل جدا ويحمل تفاصيل كثيرة كان ممكن تختصرها أو تقسمها لسلسلة مقالات

بعض الأحيان القارئ يضيع بين الشخصيات والمواقف. أتمنى في المستقبل تستخدم أسلوب أقصر أو تتناول قصة واحدة في كل مقال
3
باسمة العبد الله
17 / 6 / 2025م - 5:07 م
ما كنت أتصور المسلسل يحتوي كل هالمضامين العميقة! خصوصا لما ركز على دور الأب الغائب حضورا أو تأثيرا. شكرا أستاذ سلمان.. سلّطت الضوء على زوايا مظلمة في واقعنا الخليجي