آخر تحديث: 1 / 6 / 2025م - 12:53 ص

الأناقة الحقيقية

سلمان العنكي

الأناقة الحقيقية: أن تكون أفكارك أكثر تهذيباً من شكلك، ومشاعرك أزكى طيباً من عطرك، وخُلُقك أكثر جاذبية من خِلقتك.

كم هو جميل أن نتحاور بوعي، نختلف بلباقة، نعتذر بتواضع، ونعاتب برفق. «منقول بتصرّف»

إنها منظومة متعددة الجوانب لا تعتمد على الظاهر، بل تخاطب الوجدان وما يحويه الداخل.

فواقعنا مليء بالمفارقات والمغالطات؛ كم من أنيقٍ ظاهره، وباطنه أجوف أو خبيث نتن، وكم من بسيط يحمل في داخله الجواهر والشهد ونقاء القلب.

يظن الكثيرون أن الأناقة منحصرة في ”الشكل، والطيب، وجمال الخِلقة، وبيان المنطق“، دون الصفات الكامنة الحميدة المجمّلة والمكمّلة للشخصية.

وإن كانت تلك حسنة ولها إيجابياتها، فإنها ليست كل شيء، بل تتعداها إلى ما هو أهم.

ونعني بذلك الحقيقة الشمولية للأناقة، ومنها:

أولاً: الأفكار

هي القيادة لبقية المنظومة؛ كمهندس يرسم خارطة طريق، فيقوم بتنفيذها الفنيّ الماهر، والعامل الخبير، وآلة التشغيل المتطورة، والمواد الخام الفاخرة.

فمتى توفرت هذه العناصر، برزت قيمة مميزة للمنفّذ، وانعكست على ظاهره، وبانت حقيقته.

ثانياً: المشاعر

الرائحة الطيبة مطلب محبوب ومندوب إليه، لكن إن لم تصحب بإحساس يمنح الآخرين اهتماماً، ويشاركهم مصابهم، ويخفف آلامهم؛ فما قيمة طيبك؟

أنت هنا مستغِلّ، مستبد، مخادع، وبعد فقدك لها لا تساوي درهماً.

تكلّم بأفعالك لا بلسانك.

ثالثاً: الأخلاق

ما رافقت شيئاً إلا زانته، وما خلت منه إلا شانته، في الحديث، والتعامل، وحال المطالبة، وعند الخصومة.

أنصِف، سواء كنت غالباً أو مغلوباً، ولا تشمت؛ فربما تُصاب بمثله أو أعظم.

الوفاء للوالدين، والعدل بين الزوجين، ومع الأولاد، والجيران، والخاصة، والعامة.

كن سبّاقاً للتسامح، متساهلاً مع مخالفيك وزملائك ومخدوميك، وإن كنت محقّاً.

كن أنيق الباطن قبل الظاهر، مضموناً لا شكلاً.

رابعاً: الوعي

عُرّف بأنه ”الإدراك بالذات وبالبيئة المحيطة، سواء كانت داخلية أو خارجية، ويشمل الحسيّ والعقليّ والعاطفيّ“.

من يحمل هذه الصفات يتسم بالهدوء وقت النقاش، وإن ملك الدليل، وكان الطرف الآخر فاقداً له، وعنيداً، وحادّاً.

الوعي يكسبك الإلمام بما يستجد أولاً بأول، ويمنحك القدرة على التمييز بين النافع والضار، فتتحلّى به حساً وعقلاً وعاطفة.

خامساً: الاعتذار

هو من سمات العقلاء، وعادة الكرماء، وتواضع المحسنين، حتى وإن لم يكونوا على خطأ، أو لم يُطلب منهم ذلك.

فمن كانت هذه طباعه، يبادر من نفسه، فإن فعل، رُفعت مكانته وساد قومه.

يعاتب إن احتاج، بأسلوبٍ محترم، وبرفق، وقلبٍ طاهر، ولينِ جانب.

يقبل ما تيسّر من المُعاتَب، ويعفو عمّا تعسّر، لأنه جبل على هذه الأخلاقيات.

إن فعلنا ذلك، خرجنا من جلباب اللباس والمظهر، ودخلنا إلى عمق الفناء الباطنيّ، المليء بما نُقيَّم على أساسه.