وَرْدَةً كَالدِّهَانِ
استكمالًا للأبحاث القرآنية التي أنهيتها، ومنها آية: ذواتا أفنان، والقرآن سبق ابن الهيثم، وآية صفراء فاقع لونها.
نتابع في هذا البحث المتواضع الآية الكريمة: ﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ من سورة الرحمن آية 37.
ولأستعرض ما جاء في بعض التفاسير:
في بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ”﴿فإذا انشقت السماء﴾ يعني يوم القيامة ﴿فكانت وردة﴾ أي فصارت حمراء، ثم تجري ﴿كالدهان﴾ وهو جمع الدهن عند انقضاء الأمر، وقيل: هي كالدهان التي تُصب بعضها بألوان مختلفة، وقيل: الدهان الأديم الأحمر.“ [1]
وفي التفسير الصافي - الفيض الكاشاني: " ﴿فإذا انشقت السماء فكانت وردة﴾ قيل: أي حمراء كوردة النبات «1». أو كلون الفرس الورد، وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة، أو الصفرة أو الغبرة، ويختلف في الفصول، والوردة: واحدة الورد، فشُبِّهت السماء يوم القيامة في اختلاف ألوانها بذلك «2».
﴿كالدهان﴾: قيل: كالدهان التي يُصب بعضها فوق بعض بألوان مختلفة «3».
وقيل: مذابة كالدهن، وهو اسم لما يُدهن به أو جمع دهن «4».
وقيل: هو الأديم الأحمر «5». " [2]
وفي كتاب مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر الرازي، في مادة [دهن]، قال: ”الدهن معروف، والدهان الأديم الأحمر، ومنه قوله تعالى: ﴿فكانت وردة كالدهان﴾ أي صارت حمراء كالأديم من قولهم فرس ورد والأنثى وردة والدهان أيضًا جمع دهن.“
وجاء في تفسير الطبري: ”يقول تعالى ذكره: فإذا انشقت السماء وتفطرت، وذلك يوم القيامة، فكان لونها لون البرذون الورد الأحمر.“
”حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَرْدَةً كَالِدّهَانِ﴾: هي اليوم خضراء كما ترون، ولونها يوم القيامة لون آخر.“
”حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ﴿فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾، قال: مشرقة كالدهان. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ﴿كَالدّهانِ﴾، فقال بعضهم: معناه كالدهن صافية الحمرة مشرقة.“
أقول: وهذه التفاسير ترجع إلى المعنى اللغوي في بعض المعاجم غير المتطورة مع لغة العصر، وقد بينت ذلك مفصلًا في بحث ذواتا أفنان؛ الخطأ في بعض المعاجم أن الفنان هو الحمار، لما توهم بين الأفنان على جلد الحمار وبين الحمار نفسه. [3]
وبعد استعراض ما جاء في بعض التفاسير المعتبرة لهذه الآية الكريمة:
﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ [37 الرحمن]. سأقسم الآية إلى ثلاثة أقسام كي أحلل الكلمات والمعاني الدالة عليها.
محاور البحث: تقسم الآية إلى هذه العبارات
- فَإِذَا انْشَقَّتِ
- السَّمَاءُ
- فَكَانَتْ
- وَرْدَةً
- كَالدِّهَانِ
”انشق: فعل: انفلق، انصدع أو انقسم. انشق الفجر: طلع، ظهر. انشق البرق: لمع.“ [4]
”انشقت السماء: تفطرت وتصدعت من الهول.“
النتيجة: من هنا نعرف أن الآية تتكلم عن هيئة السماء أي تكوينها وليس لونها.
كلمة: ﴿انشَقَّتِ﴾ في الآيات القرآنية:
- ﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ [37 الرحمن] فالسماء عندما انشقت تفطرت وتصدعت فصار شكلها كالوردة.
- ﴿إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ﴾ [1 الانشقاق]
- ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ [90 مريم]
- ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [1 القمر]
- ﴿وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ [16 الحاقة]
الآيات وكلمة: تَشَقَّقُ
- ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا﴾ [25 الفرقان]
- ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ [44 ق]
- ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا﴾ [26 عبس]
الآيات وكلمة: شَقَقْنَا
- ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا﴾ [26 عبس] تشقق: تنفلق وتتصدع.
- ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ﴾ [74 البقرة]
معنى تَشَقَّقُ في القرآن الكريم
”تشقق الأرض“ [44 ق] ”تنفلق وتتصدع. شقق الشق: الخرم الواقع في الشيء.“ [6]
النتيجة: موضوع الآية هو التصدع والتشقق.
الملاحظ أن كل آيات الانشقاق تتحدث عن هيئة السماء وما أصابها من تصدع، وليس على نوع لونها.
النتيجة:
هي الملاحظ أن كل آيات الانشقاق في القرآن الكريم تتحدث عن هيئة السماء وما أصابها من تصدع، وليس على نوع لونها وكيفيته.
فلماذا الآية الوحيدة ( فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) التي حشر لون السماء هنا فقط. وقد تبين أن أسبابه كلمة وردة وكلمة الدهان وذلك لما يعبر عنه في بعض المعاجم القديمة وما سأبينه.
السماء: ال: أداة تعريف، سَّمَاءُ: اسم.
الجمع: سماوات. السماء: ما يقابل الأرض، الفضاء الأعلى المحيط بالأرض «البقرة آية 22» ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ «قرآن» البقرة آية 29. ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ «قرآن».
”السماء: الفلك. السماء من كل شيء: أعلاه.“
”ولأن السماء «السقف المرفوع» هي رمز الأمن والسلام، فإن انشقاقها يؤذن بالأخطار والخوف، ولهذه الآية اتصال وثيق بالآية «35 الرحمن»: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ﴾ ذلك أن الغلاف الجوي - أحد طبقات السماء - هو الذي يمنع عنا النيازك والغازات الحارقة، ولو حدث - لا سمح الله - أن انشق فإن الأرض ستكون عرضة لتلك الأخطار، ويقول العلماء: لو فتحت ثغرة في الغلاف الواقي - لنفترض مثلًا بمساحة كيلو متر مربع واحد - فإن الأرض تحته لا تصلح للحياة أبدًا.. لما ينهال عليها من خلال تلك الثغرة من أشعة ضارة أو نيازك حارقة مدمرة.“ [7]
”﴿وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ «الحاقة: 16»، ثم تذوب وتسيل ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ﴾ «المعارج: 8» حتى تُضحى دهانًا.“ [8]
”ما جاء في كتاب «من هدى القرآن» للسيد محمد تقي المدرسي، [9] قال: إن السماء هذا السقف العظيم الذي يحفظ الناس ويظلهم تفقد تماسكها يوم القيامة.“ [10]
فما نلاحظه من بعض الآراء أن السماء تتغير هيئتها لهيئة أخرى وتتشكل بطريقة أخرى.
آيات ورد فيها ”والسماء“
- ﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [22 البقرة]
- ﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ [64 غافر]
- ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ [5 الشمس]
- ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [47 الذاريات]
- ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾ [7 الرحمن]
- ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ [7 الذاريات]
- ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ [1 البروج]
- ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ [11 الطارق]
- ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ﴾ [1 الطارق]
”ويقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في كتابه «التفسير الأمثل ج 17/ص 412»: ويستفاد من مجموع آيات «القيامة» بصورة واضحة أن النظام الحالي للعالم سوف يتغير ويضطرب وتقع حوادث مرعبة جدًا في كل الوجود، فتتغير الكواكب والسيارات والأرض والسماء، وتحصل تغيرات يصعب تصورها، ومن جملتها: انشقاق وتناثر الكرات السماوية.“ [11]
”فكانت: ف. حرف عطف. كانت فعل.“ [12]
"[كانت]: كان: تأتي غالبًا ناقصة للدلالة على الماضي، ولها ثلاث حالات:
- الأولى: أن تكون من الأفعال التي ترفع الاسم وتنصب الخبر وتسمى حينئذ ناقصة.
- الثانية: أن تكتفي بالاسم وتسمى حينئذ تامة وتكون بمعنى «ثبت» أو بمعنى «وقع».
- الثالثة: أن تكون زائدة للتوكيد في وسط الكلام وآخره، ولا تزاد في أوله؛ فلا تعمل ولا تدل على حدث ولا زمان. ومن معانيها أنها تأتي بمعنى: صار. وبمعنى: الاستقبال. وبمعنى: الحال. وبمعنى: اتصال الزمان من غير انقطاع مثل ﴿وكان الله غفورًا رحيمًا﴾ لم يزل على ذلك. " [13]
آيات ورد فيها ”فكانت“
- ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا • فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا﴾ [6 الواقعة]
- ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ [19 النبأ]
- ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا﴾ [20 النبأ]
نلاحظ من الآيات التي بها كلمة فكانت تأتي بوصف ما قبلها بالهيئة التي تصورت عليها، ففتحت السماء فكانت أي تحولت إلى شكل الأبواب، وسيرت الجبال فكانت أي تحولت إلى سرابًا وليس لونها ولم يذكر اللون.
النتيجة:
أما الآية مركز البحث: قال تعالى: ﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالِدّهَانِ﴾ أي بعد أن انشقت السماء تحولت إلى شكل الوردة ولا أظن أن التحول إلى اللون.
من هنا بدأت البحث حول أن السماء تحولت إلى لون أو شكل، ومن خلال خبرتنا في الفن التشكيلي، حيث الفرق بين الشكل والهيئة، وسأبين ذلك.
يختلف اللون عن الهيئة: فالسماء كانت أو صار شكلها كالوردة وليس لونها وردي.
فلنتعرف على الفرق بين الشكل والهيئة ليعرف القارئ ما المقصود بتلك الكلمات ومعانيها.
”لعل سبب تشبيهها بالوردة لأنها ليست قطعة واحدة، بل عدة قطع منشقة عن بعضها.“ [14]
ويقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ”ولأن لون الورد في الغالب يكون أحمر، فإن معنى الاحمرار يتداعى للذهن منها.“ [15]
أقول: قد يكون هذا الكلام صحيحًا قبل مئات السنين ولكن الآن بفعل الديناميكية العلمية يستطيع المزارعون أن يجعلوا الألوان حسب الطلب والرغبة، فليس غالب الورد هو الأحمر الآن.
ثم يذكر سماحة الشيخ أن لون الورد يتغير عن الأحمر إلى ألوان مختلفة، ويسقط ذلك على لون السماء كذلك: ”وبما أن لونها أي الورد يتغير في فصول السنة حين يكون في الربيع مائلًا إلى الصفرة، وفي الشتاء يحمر، ويقتم لونها في البرد الشديد، فتشبيه السماء يوم القيامة بها هو بلحاظ التغيرات التي تحصل في ألوانها فتارة يكون لونها كالشعلة الوهاجة أحمر حارقًا، وأحيانًا أصفر، وأخرى أسود قاتمًا ومعتمًا.“ [16]
وهذه الآراء المتنوعة في الألوان دليل على أن هناك اختلافًا على نوعية اللون في السماء وليس مؤكدًا أن لونها أحمر أو غيره.
أقول: اختلاف المعنى في اللغة، الذي نتج عند البعض حول فهم الآية عن تلون السماء باللون الوردي، هناك رأي آخر هو نظرة فنية، هي أن السماء لم تتلون باللون الوردي بل تشكلت بشكل الوردة، وبذلك حصل التغيير بين شكل اللون وشكل الهيئة التي تحولت عليها السماء بعد انشقاقها، فالكلام على الهيئة الشكلية للسماء وليس الهيئة اللونية، فصارت منفطرة فتحولت إلى شكل آخر كشكل الوردة، ثم سالت كالدهن المسال.
أقول: الدهان كالجلي، فالدهان لا يعني فقط اللون بل حتى الطين ودهن العود والحناء.
”دهن رأسه أو طلاه بالحناء أو بالزيت وهو ليس لون.“
فمعنى الدهان ليس فقط الصبغ واللون بل يأتي بمعنى الطلاء.
ولما كان طلي القباب بالذهب أو الفضة أو سائر الجواهر من أنواع التعظيم والاحترام والتقديس.
ولا نقول للون الضوئي، صبغ أو دهان أو طلاء، بل لون.
فالدهان هنا كما قال تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [17] ، وما قوله ﴿وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ﴾ نعم كما يكون منها الدهن، قد يكون منها وصبغ للآكلين.
لأن اللغة في بعض المعاجم: دهن الرأس والشعر وغيرهما: طلاه بالدهن أو الزيت أو الطيب، ودهن الجدار: طلاه بالدهان.
فيأتي المعنى أن السماء دهنت، كما يصبغ أو يدهن الرأس والشعر بالدهن.
كلمة ”دهان“: من معاني اللون ولكن أيضًا من معاني الزيت.
لفظ دهان: وهو ما نعرفه بدهان الألوان على أي سطح.
دهن: فعل. دهن يدهن، دهنًا، فهو داهن، والمفعول مدهون.
”دهن الرأس والشعر وغيرهما: طلاه بالدهن أو الزيت أو الطيب.“
”دهن الجدار: طلاه بالدهان.“ [18] ”الدهان ما يدهن به من الأصبغ.“ [19]
مشتقات كلمة دهان في القرآن: بِالدُّهْنِ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ كَالدِّهَانِ مُدْهِنُونَ.
آيات ورد فيها: الدُّهْنِ ”دهن“
- ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ﴾ [20 المؤمنون]
- ﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ [37 الرحمن] كناية عن عظم هول يوم القيامة.
- ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [9 القلم]
- ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ [81 الواقعة]
”مدمنون“ في الأصل من مادة ”دهن“ بالمعنى المتعارف عليه، ولأن الدهن يستعمل للبشرة وأمور أخرى، فإن كلمة ”أدهان“ جاءت بمعنى المداراة والمرونة. " [20]
تفسير مدهنون: "قوله تعالى: [بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُمْ مُدْهِنُونَ] الإشارة بهذا الحديث إلى القرآن، والإدهان به التهاون به وأصله التليين بالدهن استعير للتهاون.
[أَنتُمْ مُدْهِنُونَ] أي مكذبون، وقيل مدهنون ممالئون للكفار على الكفر به، وأصله من الدهن. " [21]
المعاني التي عبر القرآن عنها بكلمة وردة كالدهان.
وردت كلمة صبغ ودهان وهي من صفات الألوان، وتعني الطلاء، وتقوم مقامها في التعبير.
في الآية الأولى عبر عن كلمة الصبغ بالهيئة أي شكل الأكل، وهذا الدهان من الشجرة يصبغ به للأكل.
التعبير الآخر عبر عن الصبغة مجازًا بمعنى الفطرة السليمة وهذه أفضل صبغة لأنها تخص الخالق سبحانه وتعالى وجعلها شعار، وبيان هل يوجد أفضل من هذه العطية للإنسان.
”ويقول الشيخ محمد جواد مغنية، في كتابه التفسير الكاشف، [ج 7، ص 212]. ﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾، يقول: تذوب السماء بما فيها من كواكب كما يذوب الدهن على النار.“ [22]
”يقول الشيخ مكارم الشيرازي: «دهان» على وزن «كتاب»، بمعنى الدهن المذاب، وتطلق أحيانًا على الرسوبات المتخلفة للمادة الدهنية، وغالبًا ما تكون لها ألوان متعددة، ومن هنا ورد هذا التشبيه حيث يصبح لون السماء كالدهن المذاب.“ [23]
وجاء في تفسير الطبري: [24] قوله: ﴿وَرْدَةً كَالِدّهَانِ﴾ قال: كالدهن.
وفي حديث آخر للطبري: [25] في قوله: ﴿كَالدّهانِ﴾ يعني: خالصة.
وقال آخرون: عني بذلك: فكانت وردة كالأديم، وقالوا: الدهان: جماع، واحدها دهن.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني به الدهن في إشراق لونه، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب. [26]
وفي ذلك ما يدعم من آيات أخرى في شكل السماء كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ﴾ المعارج آية 8.
جاء في تفسير القرطبي: المهل: الشيء المذاب سواء كان من زيت أو من نحاس وفضة.
وفي تفسير البغوي: كعكر الزيت، وقال الحسن: كالفضة إذا أذيبت.
وفي تفسير السعدي: وهو الرصاص المذاب من تشققها وبلوغ الهول منها كل مبلغ.
لا أريد القول بخطأ ما في بعض التفاسير، ولكن قد يقع بعض الوهم الذي نتج عند البعض حول فهم الآية عن تلون السماء باللون الوردي، ومرده إلى المعاني في بعض القواميس القديمة ودلالاتها.
هناك رأي آخر هو نظرة فنية، بأن السماء لم تتلون باللون الوردي بل تشكلت بشكل الوردة، ومن هنا نتج الوهم، بين معنى شكل اللون وشكل الهيئة التي تحولت عليها السماء بعد انشقاقها، فالكلام على الهيئة الشكلية للسماء وليس الهيئة اللونية، فصارت منفطرة فتحولت إلى شكل آخر كشكل الوردة، ثم سالت كالدهن المسال كما بينت في تفاصيل البحث.