آخر تحديث: 1 / 6 / 2025م - 12:53 ص

المانجروف شاهدٌ على وعي يتجذّر

ياسين آل خليل

في مشهد يعكس روح العطاء والانتماء، لم تكتفِ المؤسسات التعليمية بدورها الأكاديمي، بل تجاوزته إلى رسالتها التنموية، حين انطلقت مجموعة من الطلاب والطالبات في تجربة بيئية تربوية مميزة، شاركوا فيها بأيديهم الصغيرة في غرس أشجار المانجروف على سواحل محافظة القطيف، ليكونوا جزءًا من قصة استدامة واعدة تُكتب بروح وطنية خالصة.

في بيئة طبيعية مفتوحة، تحولت الشواطئ إلى منصة تعليمية حقيقية، حيث تعلّم النشء أن العناية بالبيئة ليست درسًا يُلقّن، بل سلوك يُمارس. فغرس شتلة واحدة من المانجروف، بالنسبة لهؤلاء الصغار، كان يعني غرس وعيٍ جديد بأنهم شركاء في حفظ هذا الوطن، ليس فقط من خلال الإنجاز العلمي، بل عبر العمل البيئي المسؤول.

لم تكن الأشجار التي احتضنتها التربة مجرد نباتات، بل كانت المانجروف، الحارس الصامت لشواطئ الوطن، والجندي الأخضر في معركة الأرض ضد زحف التغيّر المناخي. هي ليست ظلًا ولا زينة فحسب، بل درعٌ طبيعي يمتص أنفاس التلوث، ويشدّ التربة الساحلية من الانجراف، ويحميها كما تحمي الأم طفلها من التيه. في حضنها تتكاثر الأسماك، وتغني الطيور المهاجرة، ويجد النحل مأمنًا يحيله إلى مراعٍ عذراء، يقطف منها رحيقًا صافياً، ليهدي القطيف أعذب ما يُنتج من عسل. كل شتلة تُغرس هي وعدٌ بالاستدامة، وبوصلة نحو توازن بيئي يعانق رؤية وطنٍ يؤمن أن الطبيعة شريكٌ في البناء.

عندما تتعاون وزارة البيئة والمياه والزراعة مع وزارة التعليم في مثل هذه المبادرات، فإن الفائدة تتجاوز كونها مجرد نشاط طلابي. هي فرصة لتعليم الأجيال بطريقة عملية، يغرس فيها الطلاب بيدهم، ويتعلمون كيف يعتنون ببيئتهم، لا من خلال المحاضرات فقط، بل من خلال التجربة. هذا النوع من المبادرات يزرع في نفوسهم حب الأرض، ويعزز شعورهم بالمسؤولية تجاه مواردها، ليصبح الاهتمام بالبيئة جزءًا من سلوكهم اليومي.

تعكس هذه المبادرة روح رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى رفع مستوى الوعي البيئي في المجتمع، ونشر ثقافة العمل التطوعي في المجال البيئي، وتشجيع التعاون بين الجهات التعليمية والجهات المختصة بالبيئة. كما تسعى إلى تمكين الأفراد من القيام بدورهم في حماية الموارد الطبيعية والمساهمة الفاعلة في مسيرة التنمية المستدامة.

هذه المبادرة لا يجب أن تبقى مجرد تجربة محصورة في جهة واحدة، بل ينبغي أن تكون انطلاقة يُحتذى بها في القطاعين العام والخاص. إنها دعوة مفتوحة للمؤسسات والشركات للمشاركة الفاعلة في دعم هذا التوجه، من خلال تبني مبادرات بيئية تُسهم في خلق بيئة حضرية مستدامة، يعمّ نفعها على الجميع. فالوطن الذي نطمح إليه بحاجة إلى تكاتف الجهود، ليكون كل فرد وكل مؤسسة شريكًا حقيقيًا في التنمية، ومسهمًا في تحقيق أهداف المملكة نحو مستقبلٍ أخضر أكثر توازنًا.