آخر تحديث: 1 / 6 / 2025م - 12:53 ص

الدواء وحده لا يكفي..

رائدة السبع * صحيفة اليوم

في إحدى المناوبات، وبينما كنت أقوم بجولتي المعتادة في وحدة العناية القلبية بأحد أكثر مراكز القلب تميزًا في المنطقة، استوقفني نقاش بدأ هادئًا وكاد يحتد بين مريض وممرضة.

كان يقول بإصرار:

"دعوني أخرج، لا أشعر بأي ألم!»، كان يتجاهل خطورة انسداد الشرايين، ظنًا أن الصمت يعني الأمان.

تقدّمت منهما، وطلبت من الزميلة أن أستلم الحوار بصفتي المشرفة المناوبة.

نظرت إليه وقلت بهدوء يشبه الطمأنينة:

"أنا لا أُجبرك، ولا أمنعك، لكنني مسؤولة أن أُخبرك.

انسداد الشرايين لا ينتظر إذنك ليُؤلمك، وقد يبدو صامتًا اليوم، لكنه لا يرحم حين يتحدث غدًا.

قبل أن تخرج.. تذكّر:

أنت الوحيد الذي سيخسر.

لأن المرض سيتفاقم، ولأن الحياة لا تمنح فرصًا كثيرة للتراجع عن القرارات المتسرعة."

ثم أردفت بابتسامة خفيفة:

«صدقني، سواء بقيت أو خرجت، فسأتلقى راتبي آخر الشهر.

لكنّي أُفضّل أن أراك في جولة المتابعة.. لا في غرفة الطوارئ.»

نظر إليّ طويلًا، ثم قال:

«سأعيد التفكير فيما قلتِ.»

وصمت، وكأن قلبه بدأ يسمع ما لم تقله الأجهزة.

تم إجراء العملية القلبية، وبعد عدة شهور، لمحني في ممر المشفى، وبعد التحية قال:

«تذكرين نصيحتك في يوم العملية؟ لقد أجريتها، والحمد لله، أنا بخير، وسأظل ممتنًا لك طوال عمري.»

تلك الجملة لم تُسجَّل في ملفه، لكنها حفرت في قلبي معنى الأثر الذي نتركه كمقدمي رعاية طبية.

وهذا الأثر جزء من الشعور بالسعادة الأصيلة التي وصفها علم النفس الإيجابي، تلك التي لا تأتي من رفاهية، بل من أثر.

حين تُشعر أحدهم بالأمان، حين تنقذه من قرار متهور، حين تمنحه فرصة ثانية.. تلك هي السعادة التي تستحق الاحتفاء.

ففي مهنة التمريض، لا نقرأ فقط التاريخ المرضي، بل تاريخ المريض النفسي والاجتماعي والجسدي.

نُدون الأعراض، ونرصد التغيّرات، ونقدّم العلاج، وقبل ذلك نمنحهم الأمان.

نُصغي لهم حين يشكون، ونثقفهم حتى يطمئنّ عقلهم كما اطمأنّ جسدهم.

وفي اليوم العالمي للتمريض، لا نحتفي فقط بمن يلبسون الزي الأبيض، بل بمن يحملون القلوب الدافئة، والضمير الحي، والكلمة التي تُنقذ قبل أن تُعالج.

إلى زملائي وزميلاتي:

أنتم لا تتابعون نبض المرضى فقط.. أنتم تُعيدون اتزانه.

أنتم من يثبت كل يوم أن السعادة لا تُمنح لأنفسنا فقط، بل تُزرع في الآخرين.. وتعود لنا أعمق وأبقى.