السليمان وبدايات النهضة
عند الحديث عن تأسيس بنية الدولة الحديثة في السعودية، تُذكر بعض الأسماء التي استعان بها الملك المؤسس من دول الجوار العربي ليكونوا مستشاريه في بناء المنظومة الاقتصادية والهيكل البيروقراطي للدولة. غير أن كثيراً من المصادر يُغفل دور رجلٍ لعب دوراً بارزاً في تشكيل وقيادة الهيكل الحديث للدولة في انتقالها من سلطنة نجد والحجاز إلى المملكة العربية السعودية عام 1932، وهو كان الشيخ عبد الله السليمان الحمدان «1884 - 1965»، المعروف بـ عبد الله السليمان، أول وزير مالية في تاريخ المملكة.
كان ابن عنيزة الشيخ عبد الله السليمان الشخص الذي اعتمد عليه الملك عبد العزيز في بداية عهده لتولي جميع شؤون الدولة الاقتصادية والإدارية. وقد أوكلت له معظم المهام المتعلقة بالتنمية الإدارية وصياغة البُنى الاقتصادية التي أوصلت المملكة إلى مرحلة الدولة الحديثة بعد استقرار الحكم السعودي في الرياض. كل جهاز حكومي ناشئ - وقتها - كان يمر عبر عبد الله السليمان الذي انتقل من إدارة الخزينة في نجد ليصبح نقطة التركيز الإدارية في الحجاز لتتوسع صلاحياته الإدارية تدريجياً لتشمل جميع الشؤون المالية في المملكة.
في كتابه «المملكة العربية السعودية في عهد ابن سعود: الأسس الاقتصادية والمالية للدولة»، يشير جي إي بيترسون إلى دور عبد الله السليمان في شؤون التطوير الزراعي، ووضع خطة البنك المركزي وسك العملة السعودية بكل ما تحمله من عوائق شرعية دينية وتبادلية مع الغرب، بالإضافة إلى نفوذه على وزارة الدفاع التي كان على رأسها الأمير منصور بن عبد العزيز.
وقد ذكر بيترسون الدور السياسي الذي لعبه السليمان في الشؤون الخارجية التي كانت تدار من قِبل الأمير «الملك لاحقاً» فيصل بن عبد العزيز ومعاونيه من عرب الشمال، فجميع الاتفاقات الدولية التي تحتاج إلى تمويل، كانت تمر من خلال وزير المالية الذي كان خلال فترة الحرب العالمية الثانية يتعامل مع البريطانيين والأميركيين وغيرهم من القوى الكبرى بشكل مباشر. وهذا ما يفسر دوره المتصاعد في شؤون الدفاع.
وفي السنوات الست الأخيرة من عهد الملك عبد العزيز، شهدت العلاقة بين الحكومة السعودية وشركة «أرامكو» خلافات عدة بشأن حصص الأرباح، وكان أن مثَّل السليمان الحكومة السعودية في مفاوضاتها مع مسؤولي «أرامكو» الذين مثَّلوا ملاك الشركة ومساهميها التي يهمين عليها الأميركيون آنذاك. كانت نقطة الصراع الرئيسة هي مطالبة الحكومة السعودية بإيرادات إضافية تعطي النصيب العادل للدولة التي تملك الموارد الطبيعية التي يقوم عليها نشاط الشركة «أي النفط»، وبحسب بيترسون، فقد «أظهر السليمان باقتدار مهاراته في الضغط على «أرامكو» لقبول الشروط الجديدة التي عادت بالفائدة على المملكة. وهذا ما أعطى الملك عبد العزيز سبباً إضافياً لرضاه عن الثقة التي منحها للسليمان». تمكنت الحكومة السعودية من رفع الدخل الذي كانت تدفعه لها «أرامكو» من 3 إلى 5 ملايين دولار خلال فترة الحرب العالمية الثانية إلى قرابة 57 مليون دولار بحلول عام 1950، يضاف إلى ذلك جهود السليمان في استخلاص مبالغ مالية على هيئة ضرائب تدفعها شركة «أرامكو» للحكومة السعودية.
وبالإضافة إلى دفاعه عن حصة المملكة في نفطها، فقد كان للسليمان الدور الأبرز في إصلاح قضايا الموظفين السعوديين في شركة «أرامكو» والحصول على مساعدة الشركة في النظام التعليمي في الدولة. ففي مايو «أيار» 1948، زار السليمان الظهران بعد شهر من زيارة الوزير يوسف ياسين، وقد أصرّ على مسؤولي «أرامكو» أن يقوموا بتحسين الظروف المعيشية لموظفي الشركة من العرب ومساواتهم بنظرائهم الأميركيين، كما أصرّ على إلزام الشركة أن تسعى نحو دمج المناطق السكنية للعرب والأميركيين.
تلك بعض من آثار هذه القامة السعودية العملاقة التي وصفها جاي ريفز تشايلدز السفير الأميركي السابق لدى المملكة بقوله - بحسب نقل بيترسون: «الشيخ عبد الله السليمان، كان يحمل لقب وزير المالية، ولكنه كان في الواقع الوزير الأعظم في المملكة والشخصية الأكثر نفوذاً فيها بعد الملك».
اليوم، والمملكة تعيش عهد «رؤية 2030» بقيادة شابة تستعين بالكثير من شباب الوطن، نستلهم سير المؤسسين لإدارات الدولة التي بُنيت في أوقات عصيبة لتنتقل من إدارة إلى أخرى حتى وصلنا لعهد الإدارة التي تحلم وتنفذ أحلامها بشكل كان السليمان ورفاقه سيسعدون لو وُجدوا بيننا اليوم.