آخر تحديث: 1 / 5 / 2025م - 4:31 م

ومضات معرفية من كتاب ”مرآة العقل: المخاطرة والمكافأة في عصر الذكاء الاصطناعي“

عبد الله العوامي * ترجمة وبتصرف

تاريخ إصدار الكتاب بغلاف مقوى: 6 أغسطس 2024 م

مؤلفا الكتاب: السيدة دانييلا روس Daniela Rus والسيد غريغوري موني Gregory Mone, نبذة مختصرة عن سيرتهما الذاتية تجدها في الصفحة الأخيرة.

المصدر: منصة الوميض التجارية Blinkist لتلخيص الكتب.

اسم الكتاب باللغة العربية والإنجليزية:

مرآة العقل: المخاطرة والمكافأة في عصر الذكاء الاصطناعي

Mind’s Mirror, Risk and Reward in the Age of AI


تنصل:

هذه الترجمة لا تعكس بالضرورة تأييدًا أو رفضًا للمحتوى الأصلي، وإنما الهدف منها هو نشر المعرفة وعرض وجهات نظر متنوعة. قد تحتوي المادة المترجمة على معلومات لا تتوافق بالضرورة مع بعض المعتقدات أو التوجهات الشخصية، إلا أنها محاولة جادة لنقل الفكرة الأساسية مع الحفاظ قدر الإمكان على السياق العام، وإن لم تكن الترجمة دقيقة تمامًا.

نسعى من خلال هذه الترجمات إلى توسيع آفاق التفكير وتعزيز التواصل الثقافي والفكري، عن طريق تقديم أبحاث ورؤى في مجالات متعددة مثل الصحة، والتقنية، والاقتصاد وغيرها، مما يُتيح للقارئ العربي الاطلاع على مختلف وجهات النظر بلغته الأم، وتعزيز التفاهم بين الثقافات إلى جانب تشجيع النقاش الموضوعي للاستفادة منها أو نقدها بشكل واعٍ وبنّاء.

تعريف مختصر بالكتاب من شركة أمازون Amazon:

مقدمة مشوّقة للإمكانات الحقيقية للذكاء الاصطناعي بقلم مديرة مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT.

تخيّل تقنية قادرة على اكتشاف أدوية جديدة في غضون أيام بدلًا من سنوات، ومساعدة العلماء في رسم خرائط للمجرات البعيدة وفك شفرة لغة الحيتان، ومساعدتنا في المهام اليومية العادية بما فيها المملة، من صياغة ردود على البريد الإلكتروني إلى تحضير العشاء. والآن فكّر في أن هذه التقنية نفسها تُشكّل مخاطر على وظائفنا وعلى المجتمع بأسره. الذكاء الاصطناعي لم يعد خيالًا علميًا؛ إنه يغيّر عالمنا اليوم بشكل جذري.

مع تصاعد المخاوف والارتباك الناتجين عن التقدم في الذكاء الاصطناعي، يذكّرنا ”كتاب مرآة العقل“ بأنه، وعلى الرغم من التحديات الحقيقية والملحّة، فإن الذكاء الاصطناعي قوة ذات إمكانيات هائلة لتحسين حياة الإنسان.

تقدم عالمة الحاسوب وباحثة الذكاء الاصطناعي السيدة دانييلا روس Daniela Rus, بالاشتراك مع الكاتب المتخصص في الشؤون العلمية السيد غريغوري موني Gregory Mone, رؤية خبيرة باعتبارها قائدة في هذا المجال شهدت العديد من دورات الضجيج التكنولوجي. يوضحا السيدة روس والسيد موني كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعدنا في أن نصبح أكثر إنتاجية ومعرفة وإبداعًا وبصيرة وحتى تعاطفًا، إلى جانب المخاطر العديدة المرتبطة بسوء استخدامه.

يُقدّم كتاب ”مرآة العقل“ للقراء شرحًا لكيفية عمل الذكاء الاصطناعي، ويستعرض ما يجب علينا فعله، كأفراد وكمجتمع، للتقليل من النتائج الخطرة وضمان تحقيق أثر إيجابي لأكبر عدد ممكن من الناس. والنتيجة هي استكشاف سلس وحيوي للتكنولوجيا الكامنة وراء الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك حدودها وإمكاناتها — كتاب يسلّط الضوء على السيناريوهات المستقبلية المحتملة، على أمل رسم الطريق الأفضل للمضي قدمًا.

المحتوى التالي هو ترجمة للنص الإنجليزي في منصة الوميض Blinkist. وهو مكون من مقدمة وخلاصة نهائية بالإضافة إلى 4 ومضات معرفية. وتعتبر كل ومضة تلخيصا لفصل كامل من الكتاب:

المقدمة - فهم آلية عمل هذه التقنية التحويلية وتأثيرها

هل تشعر بالفضول حيال إمكانيات الذكاء الاصطناعي في تغيير طريقة عملنا وتفكيرنا؟ هل تتساءل كيف يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تتعلم، وكيف تعمم نتائجها بناءً على البيانات، ومدى تشابه أو اختلاف ذلك عن طريقة البشر؟ في هذه الومضات، سنستكشف العالم المذهل للذكاء الاصطناعي وقدرته على تسريع التقدم والإنتاجية البشرية في مختلف المجالات.

ورغم أننا لا نستطيع تغطية جميع جوانب ثورة الذكاء الاصطناعي، إلا أننا سنلقي نظرة على بعض المحطات الحاسمة. سنغوص بعمق في الشبكات العصبية، وهي اللبنة الأساسية للذكاء الاصطناعي الحديث، ونكتشف كيف تعمل هذه العقول الاصطناعية من خلال عملية التعرف على الأنماط والتعلم التكراري. وسننظر أيضًا في كيفية قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد رؤى من خلال الكشف عن أنماط تغيب حتى عن أذكى البشر. فإذا كنت مستعدًا للانطلاق في هذه الرحلة الممتعة، دعنا نستكشف كيف ولماذا يُغيّر الذكاء الاصطناعي طريقة عيشنا وعملنا.

ومضة رقم 1 - تسريع وإدراك

تخيل أن لديك مساعدًا شخصيًا يتمتع بسرعة خارقة، ويعزز إنتاجيتك في جميع أنواع المهام. هذا هو وعد الذكاء الاصطناعي كأداة تسريع. خذ الكتابة على سبيل المثال.

في دراسة شملت نحو 400 محترف من حاملي الشهادات الجامعية، أولئك الذين استخدموا شات جي بي تي ChatGPT للمساعدة في مهام الكتابة أكملوا مهامهم في نصف الوقت. والمثير أن الكُتاب الأقل خبرة لاحظوا تحسنًا في جودة كتابة مواضيعهم، في حين حافظ الكُتاب المهرة على معاييرهم العالية لكنهم أنجزوا العمل بسرعة أكبر.

في مجال الرعاية الصحية، يعالج الذكاء الاصطناعي أحد أكثر الاختناقات «عنق الزجاجة» إلحاحًا في القطاع الصناعي، وهو العبء الإداري الزائد. فمن خلال أتمتة المهام مثل ترميز البيانات الطبية، توفر أدوات الذكاء الاصطناعي وقتًا ثمينًا للعناية بالمرضى. لكن ربما يكون من أكثر أدوات التسريع إثارة في الذكاء الاصطناعي هو اكتشاف الأدوية. ففي تجربة واحدة، استخدم باحثون في جامعة تورنتو University of Toronto في كندا مجموعة من أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل نظام ألفا فولد AlphaFold الذي يتنبأ ببنية البروتينات، بشكل متزامن لتحديد مركّبات محتملة لعلاج السرطان. وباستخدام هذا النظام، تمكنوا من تحديد مركّب واعد خلال 30 يومًا فقط، وهو أمر عادةً ما يستغرق سنوات. تشير هذه الابتكارات إلى مستقبل يعمل فيه الذكاء الاصطناعي كمضاعف إدراكي، مما يتيح لنا العمل بسرعة أكبر في العديد من مجالات الحياة.

إذًا، لقد أثبتنا أن استخدام الذكاء الاصطناعي أسرع، لكن ماذا عن كونه أذكى؟ في الواقع، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد رؤى من خلال اكتشاف أنماط غير مرئية للعين البشرية. يمكنه تحليل مجموعات بيانات ضخمة، والعثور على أنماط دقيقة قد تغيب حتى عن أكثر المراقبين ذكاءً. تفكر نماذج الذكاء الاصطناعي بطريقة مختلفة عنا، مما يتيح لها إجراء روابط قد يغفل عنها الباحثون البشر.

ضع في اعتبارك نظام ”الفيزيائي الذكي اصطناعيا AI physicist“ الذي طوره عالم الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT, السيد ماكس تيغمارك Max Tegmark. هذا المحقق الرقمي يدرس عوالم محاكاة ويستخلص القوانين الأساسية التي تحكم هذه العوالم الخيالية. إنه أشبه بفريق من العلماء الصغار الذين لا يتعبون، كل واحد منهم يقترح نظريات ويختبرها. وقد تمكنت أداة السيد تيغمارك من اكتشاف قواعد جديدة في هذه البيئات المحاكاة، مما يبرز إمكانياتها في فهم الأنظمة المعقدة في العالم الحقيقي.

في المجال الطبي، يتألّق الذكاء الاصطناعي في قدرته على اكتشاف الرؤى. فقد أظهر عالم النوم في جامعة ستانفورد Stanford University, السيد إيمانويل مينيُو Emmanuel Mignot, أن نماذج الذكاء الاصطناعي قادرة على تفسير بيانات النوم المعقدة، المعروفة باسم ”تخطيط النوم المتعدد“، بكفاءة تضاهي الخبراء من البشر.

علاوة على ذلك، تم استخدام هذه النماذج لاكتشاف روابط غير متوقعة بين أنماط النوم ومجموعة من الأمراض، حيث تم العثور - على سبيل المثال - على سلوكيات نوم محددة ترتبط بمرض باركنسون Parkinson. وفي أبحاث أخرى تتعلق بمرض باركنسون، طوّرت البروفيسورة السيدة دينا خطّابي Dina Khatabi من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT نظامًا يُدعى إميرالد Emerald, يستخدم انتشار إشارات الواي فاي Wi-Fi لمراقبة تنفس وحركة المرضى. وفي نتائج أولية، حقق النظام دقة تصل إلى 90% في الكشف عن المراحل المبكرة من مرض باركنسون. وهذا الأمر يُعد مهمًا للغاية، لأن الطرق الحالية غالبًا ما تشخص المرض فقط بعد حدوث «50 إلى 80» % من تلف الدماغ بالفعل. نحن على أعتاب ثورة في الرؤى المدعومة بالذكاء الاصطناعي. هذه الأدوات لا تستبدل الباحثين من البشر، بل تعزز قدراتهم.

وهذا التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي يبشّر بمستقبل يمكننا فيه فك أعقد المشكلات وتوسيع حدود المعرفة البشرية بسرعة غير مسبوقة. حسنًا، لكن كيف يمكن أن يحدث كل هذا؟ كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في الواقع؟ دعنا نغوص الآن في عالم الشبكات العصبية.

ومضة رقم 2 - فهم الشبكات العصبية

تخيل أنك تُعلّم جروًا صغيرًا، اسمه فلفي Fluffy, كيف يُحضر العصا. في البداية، يركض الجرو في دوائر، دون أن يدرك ما يحدث. لكن مع كل رمية، يبدأ في التعلم. العصا التي تطير في الهواء، والثناء الذي تقدمه له عندما يُعيدها.

تبدأ الأنماط بالتشكّل في ذهنه. وسرعان ما يبدأ صديقك الوفي فلفي بتوقّع رمياتك، ويقرأ لغة جسدك ببراعة، ويُهيّئ نفسه بشكل مثالي لالتقاط العصا. فكيف يفعل ذلك؟ بنفس الطريقة التي يفعل بها الإنسان. من خلال التعرف على الأنماط، وتكوين التوقعات، وتحديثها مع كل رمية. هذه العملية من تمييز الأنماط والتعلّم التكراري التدريجي تُشبه تمامًا العالم المثير للشبكات العصبية.

الشبكات العصبية، المستوحاة من أدمغة الحيوانات مثل دماغك ودماغ ”الجرو فلَفي“، تتكوّن من عصبونات رقمية مُحاكاة، وربما الأهم من ذلك هو الروابط بينها. تستقبل العصبونات مدخلات، وتدمجها، ثم تُرسل مخرجات. هذه الروابط، والتي تُعرف أحيانًا باسم ”الحواف edges“ في علم تعلم الآلة، تُشبه المشابك العصبية التي تربط بين خلايا الدماغ. ولكل منها ما يُعرف بـ ”الوزن weight“، وهو رقم يُمثّل قوة الاتصال. وتُبنى الشبكات العصبية على شكل طبقات layers. ولتصوّر ذلك، تخيّل مبنى إداري ضخم مكوّن من طوابق متعددة، حيث تُعالَج المعلومات بشكل مختلف في كل طابق.

الطابق الأرضي، أو ما يُعرف بطبقة الإدخال، يستقبل البيانات الأولية «الخام». ومع صعود المعلومات عبر الطبقات الوسطى، تمر بتحولات، حيث يستخرج كل طابق سمات أكثر تجريدًا. وأخيرًا، يقوم الطابق الأعلى، وهو طبقة الإخراج، بإنتاج تنبؤ الشبكة أو قرارها. لكن دعنا لا نكتفي بالتشبيهات فقط. دعنا ننتقل إلى مثال واقعي وكلاسيكي من تعلم الآلة، وهو: ميزة التعرف الضوئي على الحروف «OCR».

ميزة التعرف الضوئي على الحروف «OCR» هي ما يسمح لهاتفك بالتعرف على النصوص داخل الصور التي تلتقطها، أو نسخ النص من مستند قمت بمسحه ضوئيًا. فكيف تعمل هذه التقنية؟ كيف تُعلّم آلة أن تتعرف على الحروف؟ كيف تُحوّل فوضى من البكسلات إلى نص رقمي منسق؟ نحن على وشك اكتشاف ذلك. تبدأ العملية بمجموعة بيانات، وهي في هذه الحالة آلاف الصور للحروف، كل واحدة منها تم تصنيفها بدقة من قبل البشر بأنها تمثّل الحرف أ A أو بـ B أو س C, وهكذا.

لنتحدث بتفصيل أكثر ونفترض أن كل صورة هي صورة ذات تدرج رمادي بدرجة وضوح 20 في 20 بكسل. هذا يعني أن كل صورة تحتوي على 400 بكسل. وكل بكسل يُمثَّل برقم من 1 إلى 100، ليمثل درجة السطوع من الأسود إلى الرمادي إلى الأبيض. إذًا، ما لدينا هو مصفوفات تتكوّن من 400 رقم، تتراوح من 1 إلى 100، وكل منها يحمل تصنيفًا للحرف الصحيح الذي تظهره. هذه هي مجموعة البيانات الخاصة بنا. والآن، كيف يبدو شكل الشبكة العصبية الخاصة بنا؟

تخيل سلسلة من الأعمدة الرأسية، كل عمود منها مليء بعُقد دائرية تُمثّل الخلايا العصبية «العصبونات». العمود الموجود في أقصى اليسار، يُسمى طبقة الإدخال، ويحتوي على 400 عصبون، واحد لكل بكسل. أما العمود في أقصى اليمين، وهو طبقة الإخراج، فيحتوي على 26 عصبونًا لحروف الهجاء الإنجليزية أو 28 عصبونا لحروف الهجاء العربية أو أكثر، واحد لكل حرف من حروف الأبجدية وكل تشكيلة منه. وفيما بينهما توجد بعض الأعمدة الأخرى من العصبونات، والتي نُسميها الطبقات الوسطى. تشكيلة الحروف تشمل: الصغيرة منها والكبيرة بالنسبة للغة الإنجليزية، وموقع الحرف بالنسبة للغة العربية.

هل لا زلت معنا؟ ممتاز. الآن دعنا نُعلّم هذا ”الجرو“ كيف يُحضر العصا!

ومضة رقم 3 - التعلّم من التجربة

حسنًا، لدينا الآن بعض العصبونات. طبقة إدخال، وبعض الطبقات الوسطى، وطبقة إخراج. إذًا دعنا نربط هذه العصبونات ببعضها.

كل عصبون في طبقة ما يرتبط بكل عصبون في الطبقة المجاورة على اليمين. هذه الروابط، التي تُصوّر عادةً كخطوط بين العصبونات، هي المسارات التي تتدفق المعلومات عبرها داخل الشبكة. وكما تتذكر، فإن لكل رابط وزنًا، وهو رقم يُحدد مدى قوة أو تأثير الإشارة التي يحملها. نحن على وشك الانتهاء. بقي تفصيل صغير واحد. إضافةً إلى الروابط، لكل عصبون قيمة انحياز «bias» مرتبطة به.

الانحياز، هو مجرد قيمة رقمية أخرى، يعمل كعتبة تحدد مدى سهولة تنشيط العصبون أو تمريره للمعلومات. ببساطة، يُحدد مدى استعداد العصبون لإطلاق الإشارة. وهذا كل شيء. هذه هي الشبكة العصبية. تُشكّل الأوزان والانحيازات جميع العناصر القابلة للتعديل والتي سيقوم نظامنا بتعديلها أثناء عملية التعلم. كل ما تعرفه شبكتنا العصبية الصغيرة - وليس فقط شبكتنا، بل حتى نماذج لغوية بمئات الملايين من الدولارات مثل شات جي بي تيChatGPT - يتم تخزينه بهذه الطريقة.

والآن دعنا نبدأ التدريب. تدريب الشبكة العصبية يعني تعديل الأوزان والانحيازات تدريجيًا. تبدأ هذه القيم عشوائية تمامًا، ويتم تعديلها شيئًا فشيئًا مع كل جولة ”إحضار“، إذا صح التعبير. تبدأ العملية بما يسمى التمرير الأمامي. يتم إدخال صورة في طبقة الإدخال، ثم تُجمع وتُضرب الأرقام معًا عبر العصبونات المجاورة، وفقًا للأوزان والانحيازات. وهكذا تتدفق البيانات للأمام عبر الشبكة، مرورًا بجميع الطبقات الوسطى حتى تصل إلى طبقة الإخراج، التي تنتج تنبؤًا، أي الحرف أو الحروف المرجح وجودها في الصورة.

بعد ذلك، تقوم الشبكة بمقارنة هذا التنبؤ بالإجابة الحقيقية، وتحسب مقدار الخطأ. وهنا يحدث السحر. من خلال عملية تُسمى الانتشار العكسي «Backpropagation»، تتبع الشبكة خطواتها إلى الوراء لتحديد أي الروابط ساهمت أكثر في حدوث الخطأ. يُعد الانتشار العكسي البطل المجهول في التعلم العميق. فهو يسمح للشبكة بتعديل العناصر القابلة للتعديل مثل: أوزان الروابط وانحيازات العصبونات، وذلك بهدف تقليل الأخطاء. وتُكرر هذه العملية مرات لا تُحصى.

ومع كل تكرار، تقترب الشبكة أكثر فأكثر من الدقة، متعلمة من أخطائها كما يفعل الجرو الصغير ”فلفي“. ومع تقدمها في التعلم، تظهر الأنماط. تساعد الطبقات المختلفة في الشبكة من خلال تفكيك التعقيد إلى أجزاء يمكن التعامل معها. فعلى سبيل المثال، تكتشف الطبقات الوسطى المبكرة أبسط الأشكال الممكنة، مثل حواف الضوء والظلام، بينما تقوم الطبقات الأعمق بدمج هذه السمات لاكتشاف أشكال أكبر وأكثر تعقيدًا، مثل الخطوط والحلقات التي تتجمع لتشكيل الحروف.

يأتي الاختبار الحقيقي عندما نعرض على النظام صورًا لم يرها من قبل. فإذا تم تدريبه جيدًا، ينبغي أن يكون قادرًا على التعميم انطلاقًا من بيانات تدريبه وتصنيف هذه الأمثلة الجديدة بدقة. هذه القدرة على التعميم هي ما يجعل الشبكات العصبية قوية للغاية. فهي تمكّنها من تعلم الأنماط والتعامل معها بمستويات متزايدة من التجريد والتعقيد في أي مجال تقريبًا، من الكتابة إلى الصور الواقعية إلى الأصوات البشرية المُحاكاة.

ومضة رقم 4 - التعاطف والتواصل

لقد رأينا كيف تقوم الشبكات العصبية الرقمية، مثل نظيراتها البيولوجية، باستخلاص السمات والأنماط من البيانات، مستخدمةً التعميم لتعلم سمات ذات تعقيد متزايد. صدّق أو لا تصدّق، هناك مجال آخر بدأت أنظمة الذكاء الاصطناعي بمحاكاته بشكل مدهش: التعاطف البشري. تخيّل أنك تتصل بمصرفك، غاضبًا من رسوم غير متوقعة.

بدلاً من الصوت الآلي المعتاد، يستقبلك برنامج دردشة آلي يعمل بالذكاء الاصطناعي. غريب، أليس كذلك؟ حاول الآن أن تتخيل أن برنامج الدردشة الآلي لا يحل مشكلتك بسرعة فحسب، بل يجعلك تشعر أيضًا بإيجابية غير متوقعة. هذه هي نتيجة دراسة أجريت في شركة برمجيات ضمن قائمة فورتشن Fortune 500 شملت أكثر من 5000 موظف «وكيل» في خدمة العملاء. اكتشف الباحثون أن تطبيق مساعد محادثة يعتمد على الذكاء الاصطناعي زاد من إنتاجية الوكلاء. لكن المفاجأة الحقيقية جاءت في التفاعلات البشرية التي تلت ذلك.

عندما تحدّث العملاء مع موظفي خدمة العملاء «وكلاء من البشر» بعد تفاعلهم مع الذكاء الاصطناعي، كانوا أقل عدائية بشكل ملحوظ. كما انخفضت نسبة العملاء الذين يطلبون التحدث إلى المدير. تبيّن أن الذكاء الاصطناعي كان يعمل كوسيط، يمتص الإحباطات الأولية للمتصل، ويمهّد الطريق لحوار أكثر بنّاءً بين البشر. لست مقتنعًا بعد؟ حسنًا، في دراسة أخرى، عرض الباحثون على المرضى ردودًا على أسئلة طبية شائعة، بعضها تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، والبعض الآخر من قِبل أطباء بشريين. والمذهل أن المرضى قيّموا ردود الذكاء الاصطناعي باستمرار على أنها أكثر تعاطفًا.

كان أحد الأمثلة يدور حول شرح تشخيص مرض السكري من النوع الثاني. ورغم أن إجابة الطبيب البشري كانت صحيحة من الناحية التقنية، إلا أن رد الذكاء الاصطناعي تضمن لغة داعمة أكثر وخطوات عملية تالية، مما جعل المرضى يشعرون بأنهم أكثر فهمًا ورعاية. نعم، أكثر فهمًا ورعاية من قِبل آلة بلا مشاعر. إن التعرف على المشاعر بالذكاء الاصطناعي هو مجال يتطور بسرعة. تخيّل نظامًا يستطيع اكتشاف الارتجاف الطفيف في صوتك عندما تكون متوترًا، أو العبوس بالكاد الملحوظ على جبينك عندما تكون مشوشًا.

أحد هذه الأنظمة، والذي تم تطويره في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT, يستطيع اكتشاف علامات الاكتئاب من خلال تحليل أنماط الكلام وتعبيرات الوجه. وفي دراسة شملت 142 مريضًا، تطابقت تقييمات الذكاء الاصطناعي للاكتئاب بشكل كبير مع تقييمات الأطباء المختصين. وربما يكون أكثر التطبيقات طموحًا للتعاطف المعزّز بالذكاء الاصطناعي هو في مجال التواصل بين الأنواع. إذ يعمل الباحثون حاليًا على فك شفرة لغة حيتان العنبر sperm whales, وهو مشروع معقد يتضمن استخدام طائرات مسيّرة تحت الماء، ولقطات جوية، وأجهزة استشعار تُثبّت على الحيتان نفسها. يهدف المشروع إلى التقاط ليس فقط الإشارات الصوتية، بل السياق الكامل لتواصل الحيتان. وقد أظهرت إحدى النتائج الأولية أن حيتان العنبر تستخدم أنماطً نقر مميزة كأسماء أو معرفات للحيتان الفردية.

وإذا تم تأكيد ذلك، فسيكون خطوة مهمة نحو فهم تعقيد مجتمعات الحيتان. وبينما نتقدّم في هذا الأفق الجديد من التعاطف المعزّز بالذكاء الاصطناعي، سيكون علينا بلا شك مواجهة اعتبارات أخلاقية جدية. إن حماية الخصوصية ومنع سوء الاستخدام ستكون من الأولويات القصوى مع نضوج هذه التقنيات. ولكن إذا تم التعامل معها بشكل صحيح، فالأمل هو أن يُساعد الذكاء الاصطناعي في تعميق فهمنا لبعضنا البعض كبشر، بل وحتى كحيوانات، من خلال الكشف عن تفاصيل دقيقة تتجاوز قدرة الإدراك البشري.

خلاصة نهائية

الرسالة الرئيسية من هذه الومضات لهذا الكتاب ”مرآة العقل“، هي أن الذكاء الاصطناعي يُعد تقنية تحويلية تحمل إمكانات هائلة لتعزيز القدرات البشرية في مجالات متنوعة. من تسريع الإنتاجية إلى كشف الأنماط الخفية في البيانات، يعمل الذكاء الاصطناعي كمضاعف إدراكي. لقد تعرّفنا على كيفية عمل الشبكات العصبية فعليًا، وكيف تتعلم وتُعمّم لتكوين تمثيلات معقدة لبيانات عشوائية. ومن خلال هذه القدرة اللافتة، رأينا كيف يتوسّع الذكاء الاصطناعي إلى آفاق جديدة، بما في ذلك مجالات غير متوقعة مثل التعاطف البشري، والصحة النفسية، والتواصل بين الأنواع.

وفي خضم استكشاف هذا الأفق الجديد، من الضروري معالجة الجوانب الأخلاقية وحماية هذه التقنيات من سوء الاستخدام، لضمان توظيف هذه القوى الجديدة الغريبة لما فيه خير الجميع.

نبذة مختصرة عن المؤلفين:

1. السيدة دانييلا روس «Daniela Rus»

• هي واحدة من أبرز علماء الروبوتات وعلوم الحاسوب في العالم، وتشغل حاليًا منصب مديرة مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي «CSAIL» التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «MIT»، كما تحمل لقب أستاذة أندرو وإرنا فيتربي في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب بالمعهد نفسه. وتُعد أول امرأة تتولى قيادة هذا المختبر المرموق.

• في عام 2024، شاركت السيدة روس في تأليف كتاب ”مرآة العقل: المخاطرة والمكافأة في عصر الذكاء الاصطناعي“ «The Mind’s Mirror: Risk and Reward in the Age of AI»، إلى جانب الكاتب في الشؤون العلمية السيد غريغوري موني، وقد صدر عن دار نشر W.W. Norton & Company في 6 أغسطس من العام نفسه.

• تركز أبحاثها على تصميم وتطوير الأنظمة الذاتية القادرة على الاندماج بسلاسة في تفاصيل الحياة اليومية، مع تطبيقات متعددة تشمل المدن الذكية، والنقل، والرعاية الصحية، مما يعكس رؤيتها للذكاء الاصطناعي كأداة لتمكين الإنسان وتحسين جودة الحياة.

• حازت السيدة روس على عدد من الجوائز والتكريمات المرموقة، من بينها وسام إديسون من معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات «IEEE» في عام 2025، وزمالة ”العباقرة“ من مؤسسة ماك آرثر في عام 2002. كما أنها شاركت في تأسيس شركات تقنية رائدة مثل LiquidAI وThe Routing Company, وهي عضو في مجالس إدارات عدد من الشركات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، مثل Symbotic وSymphonyAI.

2. السيد غريغوري موني «Gregory Mone»

• هو كاتب أمريكي بارز، يشتهر بقدرته على تبسيط العلوم وتحويل المفاهيم المعقدة إلى نصوص شيقة وسهلة الفهم تناسب مختلف الفئات العمرية، من الأطفال إلى الكبار. يتركز إنتاجه الأدبي في مجال القصص الواقعية والخيالية، وكذلك الروايات الموجهة لليافعين، إلى جانب الأعمال التي تتناول قضايا علمية بأسلوب مبسّط.

• شارك السيد موني في تأليف كتب علمية بالتعاون مع نخبة من العلماء البارزين، وكتب لصالح مجلات علمية معروفة مثل Popular Science. ومن أبرز أعماله كتاب ”مرآة العقل: المخاطرة والمكافأة في عصر الذكاء الاصطناعي“ الذي ألفه مع عالمة الروبوتات السيدة دانييلا روس.

• بلغ عدد مؤلفاته تسعة عشر كتابًا، تشمل عناوين مثل: Atlantis: The Accidental Invasion, وSea of Gold, وسلسلة Jack and the Geniuses التي شارك فيها مع العالم الشهير بيل ناي. يتميّز أسلوبه بالسلاسة والتشويق، مع الالتزام بالدقة العلمية في الطرح.

• السيد موني حاصل على شهادة من كلية هارفارد «Harvard College»، ويقيم حاليًا مع عائلته في جزيرة مارثا فينيارد «Martha’s Vineyard» بولاية ماساتشوستس.

هذا الموضوع متوفر في المدونة بنقر الرابط التالي:

https://awamispaces.net/archives/1372