شاب يريد الزواج
حين يتقدَّم شابٌ للزواج، لا يُسأل فقط عن مظهره أو وضعه المالي؛ بل تُفتح دفاتر ماضيه منذ نعومة أظفاره؛ فالسمعة الطيِّبة لا تُبنى فجأة عند طرق باب الزَّواج؛ وإنَّما تتكوَّن عبر سنوات طويلة من التربيَّة والسلوك والأخلاق.
كلُّ كلمة ينطق بها، وكلُّ موقف يُحفظ عنه، يصبح شهادة له أو عليه حين يحتاج إلى قبول المجتمع؛ لذلك، بناء السمعة الطيبة مسؤولية تبدأ من الصغر، قبل أن تكون ضرورة عند الكبر، ومن الخطأ أن يظنَّ البعض أنَّ تحسين الصورة يبدأ عندما يقرع باب الزَّواج فقط؛ فالنَّاس لا تنسى، والمجتمعات تراقب بصمت، وتسأل بدقَّة، خاصَّة حين يتعلَّق الأمر بمستقبل بناتها.
فكيف تُبنى هذه السمعة؟
وكيف تحمي الأسرة والشَّاب معًا هذا الرَّصيد الثَّمين؟
بناء السُّمعة لا يكون عملًا مؤقتًا أو استعدادًا مفاجئًا للحظة الزواج؛ بل هو مسار طويل يبدأ منذ الطفولة؛ فالخلق الحسن، والسيرة الطيِّبة، والتصرفات النبيلة، كلُّها تتراكم عبر السنوات، حتَّى تصبح شهادة يعيش بها الإنسان بين الناس، وعندما يحين وقت الزواج، يظهر وزن هذه السمعة، فيُقبل الشاب أو يُرفض بناءً على ما زرعه سابقًا، لا على ما يدعيه حينها.
ومن حقِّ العائلة أن تسأل عن الشاب المتقدِّم لابنتها، والسُّؤال هنا ليس مجرَّد حق، بل واجب أصيل، ومن الخطأ الكبير أن تتهاون الأسرة فيه؛ والمصيبة الكبرى حين تُغفل العائلة السؤال والتمحيص، فتقع في اختيارات مبنية على المظاهر لا الحقائق، وتدفع الثمن لاحقًا. أمَّا الشاب، فإن كان حسن السيرة، نقي الصحيفة، فلن يضره السؤال؛ ولكن يزيده وضوحًا وثقة أمام المجتمع.
ثمَّ إنَّ العائلات الحكيمة لا تكتفي بالسؤال عن تفاصيل سطحيَّة، بل تتناول الجوانب الجوهريَّة: عن خُلق الشاب وعشرته، وعن سلوكه في التَّعامل مع الأهل والأصدقاء، وعن كرمه أو بخله، وعن مزاجه الإيجابي أو ميوله إلى السلبيَّة والتشاؤم. بل إن بعض الأسر تمضي إلى أبعد من ذلك، فتسأل عن تدين الشاب واستقامته، وهو سؤال قد يكون في جوهره أهمَّ ما يُطرح، إذ به تُعرف أمانته وصدق سريرته، ويُبنى عليه صلاح الحياة واستقامة المستقبل.
كما يُسأل عن احترامه للآخرين، وعن قدرته على تحمل المسؤوليَّة، وعن صفاء سريرته في العلاقات الاجتماعيَّة؛ فالحياة الزوجيَّة لا تقوم فقط على معايير المال والمظهر والوظيفة المرموقة؛ بل على حسن العشرة، وجودة الأخلاق، وسلامة السلوك.
ومع ذلك، لا يُطلب من الشاب أن يكون بلا عيب، ولا من العائلة أن تبحث عن ملاك يمشي على الأرض، فالكمال لله «تعالى» وحده. وإنَّما الغاية أن يتحقق الحدُّ المعقول من حسن الخلق، وطيب العشرة، واتزان السلوك.
فلا ضير أن يكون للإنسان بعض العيوب، ما دامت لا تمس جوهر استقامته، ولا تهدد استقرار بيته ومسار حياته.
وكما أنَّ العائلات تبحث عن شاب متزن ومؤهل، فإنَّ عليها أن تدرك أن ابنتها أيضًا ليست حورية من حور الجنَّة؛ بل إنَّ لها من الطباع والأخطاء ما يقتضي التغاضي والحكمة والتفاهم؛ فالزَّواج شراكة بشرية قائمة على التفاهم والتنازل والمودَّة، لا على التصورات المثالية؛ لذلك، فإنَّ حسن الاختيار يعني البحث عن إنسان يملك ما يكفي من الوعي والخلق ليكون شريكًا صالحًا في رحلة الحياة.
وقد يتساءل البعض: ماذا عن الشاب الذي حمل في ماضيه أخطاءً، ثمَّ استقامت حياته فيما بعد، ونضج واستوى سلوكه وعقله؟
هل يُحاكم مجتمعيًا على ما مضى، ويُغلق في وجهه باب الزواج، الذي قد يكون عونًا له على الثبات والاستمرار في طريق الاستقامة؟
وهل الخطأ العابر، الذي ارتُكب يومًا ما في غفلة أو طيش شباب، يعني أن نحكم عليه بالنبذ مدى الحياة؟
إنَّ العدل يقتضي أن نزن الإنسان بميزانه الحالي، لا أن نحاكمه فقط بما مضى، فالتوبة الصادقة والتغيير الحقيقي شواهد أقوى من زلّة قديمة.
والمجتمع الواعي هو الذي يفتح أبواب الأمل أمام من جدَّد حياته، لا أن يقف حجر عثرة في طريقه نحو بناء أسرة كريمة ومستقبل أفضل.
وهنا يأتي دور العقل والحكمة من صاحب القرار؛ إذ قد تكون هذه الفرصة نادرة، ولا تتكرر للبنت مرَّة أخرى، وقد ينتهي بها المطاف بالانتظار طويلًا من دون زواج، بسبب تردد أو تشدد غير مبني على رؤية متزنة وعادلة.
بناء السمعة الطيبة لا يبدأ عند الحاجة؛ بل يُزرع مبكرًا ويثمر وقت الحاجة.
وسؤال العائلة عن الشاب حق طبيعي لحماية مستقبل ابنتهم؛ لكنه يحتاج إلى إنصاف لا يقف عند زلات الماضي.
فمن جدّد حياته واستقام، لا يُعاقب؛ وإنَّما يُعان على الاستمرار في الطريق الصحيح.
ويبقى حسن الاختيار مرهونًا بعقل متزن، يرى الجوهر قبل الظاهر، ويوازن بين الحرص والتيسير.