آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 4:11 ص

موائد الضيافة الرحمانية

حكيمة آل نصيف

ها نحن نعيشها ضيافة الله الواسعة مع شهره الكريم، شهر المغفرة والرحمة شهر التوبة، وما أسرع انقضاء أيامه ولياليه فمنذ أيام كنا نعد أنفسنا لضيافة هذا الشهر العظيم وها قد تصرم نصفه، فماذا عملنا في هذه الليالي والأيام التي تصرمت، هل أحسنّا التصرف معها وانتهزنا الفرصة في الاستفادة من ضيافة المولى عز وجل أم أنه مر علينا كبقية الأيام والليالي من الشهور الأخرى، وهل كنا من جملة من أعتقهم الله في كل ليلة أم ما زلنا ننتظر العتق والعفو والمغفرة والصلاح!

هذا الشهر الكريم ليس فقط مناط بالصيام والقيام وإن كان مطلوبا منا صيامه وقيامه بما يقرّبنا عند الله، ولكن إذا أردنا العتق الحقيقي والخروج منه بأبهى صورة وحلة، لابد أن نغتنم هذا الشهر وننتهز الفرص التي وضعها الله بين أيدينا لنحسن الضيافة الربانية ونطبق معاني الصيام ونحقق أهدافه المرجوة، فكما ذكرنا شهر رمضان ليس فقط صوم وامتناع عن الأكل والشرب وإنما هو فرصة لتطهير الذات الإنسانية وصقلها على الخير، نستشعر فيه آلام الفقراء والمحتاجين الذين يتضورون جوعا وعطشا ليلا ونهار ونحن نستلذ بما لذ وطاب من نعم الله عز وجل، فنقف بتفكر وتمعن نشكر المنعم على نعمه وفي المقابل نمد يد العون والمساعدة لكل من يحتاجنا، وبهذا نحصل على فرصة انفتاح على من حولنا نتفقدهم ونفكر كيف نستطيع تقديم المساعدة لهم المادية والمعنوية، فهناك الكثير من المؤمنين الذين تأسرهم الهموم والمشاكل يترقبون من يطرق بابهم ويتفقدهم ويرفع من معنوياتهم بكلمة طيبة ودعاء صادق لهم بتفريج هموهم، وهنا نحقق المفهوم الصادق لمعنى التضامن والتكافل الاجتماعي، وهو الإحساس والشعور بالآخرين من مختلف الجوانب وتقديم كل ما نستطيع لرفع الثقل الذي يحط على كواهلهم.

من جانب آخر شهر رمضان فرصة لتطهير عقولنا وقلوبنا من الترسبات الضارة بالنفس، فتبدأ بعمل عملية تنظيف «فلترة» لهذه الروح التي علتها الكثير من الكدورات بسبب الاستلذاذ بالدنيا وملذاتها والبعد عن ما يربطها ويقوي علاقتها بالله عز وجل، فليكن هذا الشهر مرحلة تصفية وتنقية لجميع ما شوّه الفطرة السليمة لقلوبنا وأرواحنا بعمل موازنة بين الجوانب المادية والروحية، فكما نهتم لغذاء الجسم وتوفير ما يقوم صحته كذلك أرواحنا تحتاج لغذاء يقومها ويجعلها في حالة تفكر ويقظة دائمة مما يعينها على الاستقامة والصلاح، وخير زاد لهذه الروح هو الصلاة والعبادة والدعاء ولا ننسَ إصلاح النفس مع الآخرين والابتعاد عن الأحقاد والمشاحنات أو التكبر والعجب - والعياذ بالله -؛ لأن هذه الصفات تبعدنا عن العبادة الحقة لله عز وجل.

لذا لابد أن نتدارك ما بقي من أيام هذا الشهر العظيم، ولندعوا الله أن نكون ممن يقبلهم ويعتقهم من أهواء نفوسهم؛ لنتخلص من كل الذنوب ونجتاز هذا الاختبار بالفوز الأكبر وهو رضا المولى عز وجل والعتق من ناره.