آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:14 ص

شهر الدعاء

عبد الرزاق الكوي

من المتعارف عليه عند جميع المسلمين أن هذا الشهر الكريم هو شهر الله تعالى، والجميع ضيوف معززون مكرمون. أبواب السماوات مفتوحة، فرص لا تعوض في أيامه ولياليه وساعاته، حتى الأنفاس فيه أجر وثواب. شهر التكامل والتطهير والتفاضل في صومه المبارك، وتلاوة القرآن الكريم، والأدعية الشريفة التي هي من وسائل الوصول لرضا الله تعالى وقبول الأعمال.

شهر يعيش فيه المؤمن نوعًا خاصًا من الارتباط، تزال فيه الحواجز والموانع، وتخلق أرضية خصبة لبناء علاقة خاصة عن طريق الدعاء. دعاء ليس لأي شخص أو مكانة أو وجاهة دنيوية، الطلب من أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين غفار الذنوب، عطاؤه بلا حدود. الانشغال بالدنيا وهمومها ومشاغلها ومنغصاتها شيء متعارف عليه ومتوقع، وزد عليه الركون للهو، خصوصًا في ظل وسائل الترفيه الإلكترونية الحديثة وانتشار المقاهي والجلسات على مد البصر في كل ركن وزاوية.

هذا الشهر الكريم فرصة لا تعوض بتصحيح كثير من المفاهيم والاعوجاجات حتى لا تتكاثر ولا يمكن السيطرة عليها. فالصوم الهادف وقاية، والقرآن الكريم هذا ربيعه، والأدعية الشريفة طريق سالك نحو بناء علاقة تطهر ما علق في القلب من تراكمات عام كامل، تصحح العلاقة مع الله تعالى والمجتمع بشكل عام والأقربين خاصة صلة الرحم وغيرها من العلاقات.

فالدعاء وسيلة لا يمكن لمؤمن أن يغفل أهميتها، خصوصًا مع من وسعت رحمته كل شيء، وهذا من موضع الشكر والثناء والحمد على هذا الكرم وفتح هذا الباب الواسع، بابه المرحب بطارقه والمستجاب طلبه بدون شروط أو وصايا. في الحديث القدسي الشريف: ”من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعًا“، فالدعاء من الأسرار العظيمة تحتاج إلى يقين وصدق النية وثقة بين السائل والمسؤول. قال تعالى: ”ادعوني أستجب لكم“، دعوة كريمة من رب كتب على نفسه أنه أكرم الأكرمين، فلا حدود لعطائه لعبده، زيادة على التفضل بالصحة والعناية الإلهية في جميع الأمور الحياتية. ومع التقصير من قبل المخلوق هناك أمل كبير، هو أقرب للفرد من حبل الوريد.

فالدعاء متاح جميع أيام السنة، وتوجد مناسبات كثيرة وأدعية على مدار الأيام، صلة لا يضاهيها صلة، خيرها كثير وجزاؤها عظيم، يستحب ويستحسن فيها الدعاء، حث الأئمة على الاعتناء بها لما لها من فضائل جاءت عن طريق الرسول ﷺ والأئمة الأطهار. فالدعاء حاجة إنسانية تبقي الإنسان على صلة مع الله تعالى، وهو غني عنها، تلطفًا منه فتح هذا الباب المبارك ليتطهر فيه الإنسان مما علق في قلبه من تقصير خلال عامه المنصرم وأعوام سابقة اشتغل بالدنيا وهمومها.

فكم من الزلات، بل وترك واجبات غض الطرف عنها رحمة منه ثم سترها رغم التكرار والإصرار على البقاء، قصر الإنسان فيها بجوارح أنعم الله تعالى بتمام صحتها من الأمراض، التقصير في العلاقة مع الله تعالى ومع المجتمع والنفس، فالغفلة موجودة والتعويض مكانه هذا الشهر المبارك، خصوصًا والمسلمون مقبلون على ليالي القدر المباركة، بلغ الله تعالى الجميع الظفر ببركات هذه الليالي وقبول الدعاء بالمغفرة والصحة والعافية، وأن يكشف الله الغمة عن هذه الأمة، وأن يعجل الله تعالى فرج صاحب الزمان عجل الله فرجه وسهل مخرجه، ورحم الله تعالى الإنسانية بمقدمه، ببركة الصلاة على محمد وآل محمد.

أيام وليال نورانية يحمد ويشكر الله تعالى على نعمه الوافرة وعطاياه اللامحدودة، أن لا يكون أحد من الخاسرين والعياذ بالله تعالى. نسألكم الدعاء وتقبل الله أعمالنا وأعمالكم وختم الله تعالى هذا الشهر بالأمن والأمان على المسلمين في كافة أرجاء الأرض.