خطوط عريضة
شتان ما بين الدور الفعال والنشط للفرد في الحياة فيبحث عن الفرص والحلول ولا تعيقه العثرات عن مواصلة طريق طموحاته وأهدافه، وبين الدور الهامشي والاستسلامي والذي يصطدم بالظروف الصعبة فيسقط أرضا ويحيا التشتت والضياع، بل ويمارس دور التشكّي والتذمّر من الظروف الحياتية الصعبة ويسهب في الحديث عنها، دون أن يتحمل مسئولية إدارة دفة حياته والإسهام في التغيير وتجاوز التحديات، فالتحسن الإيجابي في مجمل مناحي حياتنا وعلاقاتنا ينطلق من مبدأ صناعة الحلول وتحريك الفكر المعالج والمضمد للثغرات، فالمشاكل لا تعالج بالتهرب عن تحمل المسئولية بل بالتحرك نحو اتخاذ مواقف وقرارات تنتشله من الواقع المؤلم دون ذرف الدموع على الماضي وعثراته، فالمراجعة الذاتية لآليات أفكاره وأهدافه وتنفيذه على أرض الواقع هو ما يحدث تغييرا يقوده نحو ساحل النجاة والإنجاز، فالعاجز هو من ينتظر من السماء أن تمطر عليه حلولا ذهبية جاهزة، بل الحلول تنبع من ذاته وقدراته وتوظيفها في طريق بحثه عن الآراء الحصيفة والقواعد القوية لأدائه في مواجهة التحديات والصعوبات.
والبعض يمارس دور الضحية التي قهرتها ضغوطات الحياة وأوقعتها على أرض العجز واليأس، متناسيا أن الإنسان مزوّد بتلك القدرات التي يستطيع توظيفها في طريق توليد وابتكار الحلول والعمل الجاد، فمن أراد أن يكون شخصية ناجحة تمضي قُدُما في الميادين المعرفية والمهنية والاجتماعية، عليه التعامل مع وقائع الأمور بتفكير إيجابي يسعى لاتخاذ القرارات المتاحة والمناسبة بعيدا عن الانفعالات.
وهل يمكننا الاستعانة بالآخرين من أهل الثقة والخبرة والتشاور معهم حول مشاكلنا وما نمر به من ضغوط، للخروج بمجموعة من وجهات النظر القابلة للتطبيق؟
بلا شك أن الوسط الاجتماعي المحيط بك من أهل وأصدقاء يلعبون دورا مساندا لك في تخطي العقبات، ولكن هذا لا يعني الاتكالية وتفريغ عقلك من أي رأي، بل تتحمل المسئولية وتبحث عن حلول للمشكلة وتستعين بالموثوقين ليساعدوك في بلورة الصورة النهائية للحلول وسد الثغرات منها.
القوة النفسية عند الإنسان تبعثه نحو التفكير الإيجابي والخطوات المدروسة والنظر في عواقب الأمور بعيدا عن روح اليأس أو التهور، وأما صاحب النفس الضعيفة فهو ينظر إلى نفسه بأنه أعجز عن مواجهة المشاكل والظروف الصعبة فضلا عن القدرة على تجاوزها والبحث عن مخارج ممكنة للتخلص من تبعاتها، يرى واقعه المأزوم قدرا مكتوبا عليه لا مفر من الاكتواء بناره، فالظروف كالريح العاتية لا يمكن الوقوف بوجهها ولذا فهو يستسلم ويتهرب من تحمل مسئولية تغيير الواقع، يبقى مرتهنا للتفكير السلبي والانهزامي وأفضل الحلول عنده ندب الحظوظ وإسقاط سببية إخفاقه على الظروف وصعوبة الزمن!!
حلحلة الأمور وتدحرجها نحو الانفراج والحل لا تأتي في خطوة سريعة في أغلب الأحيان، بل هي خطوات متلاحقة كل واحدة منها تشكل جزءا وإسهاما في انفراج الأمور وإبصارها النور، وهذا ما يتطلب من الفرد ملاحظة العامل الزمني والاهتمام باغتنامه والمحافظة عليه دون إهدار، كما أن الجهود المركزة - لا المبعثرة - هي ما يسهم في بلورة إنجازه في صورته النهائية.