في رمضانَ... تُولدُ الأسماءُ من جديدِ
يتخففُ القلبُ من أثقالِه كشجرةٍ تنحي ثوبَها الورقيَّ قبيلَ الربيعِ، يُصبحُ العطشُ مرآةً تُجلي للروحِ وجهَها الأولَ قبلَ أن تُسمِّيه لغةً أو دينًا. ها هي الأسرارُ تنزلُ كمطرٍ على صحيفةِ الصمتِ، فتصيرُ القُربةُ للهِ هبوةً تخطفُنا من فمِ الفاني إلى لهيبِ البقاءِ.
لحظةُ الإفطارِ ليست كسرًا للصومِ، بل انكسارٌ للزمنِ نفسِه: تصبحُ التمرةُ وَشْمَةَ نورٍ على كفِّ الأبديةِ، والماءُ يُعيدُ اختراعَ لغةِ الخلاصِ... لغةِ العطشِ الذي يركضُ إلى اللهِ قُرصَ شمسٍ مُنهارٍ!
الصومُ هو أن تكونَ جسدًا بلا ظلٍّ، كي لا تُعيقَكَ أوهامُكَ عن اللقاءِ. هو أن تصيرَ الكأسُ الفارغةُ قبلةً للنجومِ، وأن تسمعَ صوتَ الريحِ تحملُ بين ثناياها دمعةَ آدمَ قبلَ السقوطِ!
في رمضانَ تسجدُ الشهواتُ بوجهِها إلى الترابِ، ويُصلِّي الجمادُ سرًّا بقدسيةِ المنفتحينَ. حتى الظلُّ يخشعُ... فيصبحُ انكسارُ الضوءِ على الجدارِ مئذنةً تدعو الكون لِوقفةِ اعترافٍ!
الرياضةُ هنا ليست جوعًا... بل تدريبٌ على موتِ النارِ في العظمِ، والعطشُ ليس عذابًا... بل اختراقٌ لحجابِ الماءِ بين الحنينِ والحنينِ. أتعلمُ لمَ يحرقُ رمضانُ أوجاعَنا؟ لأنَّ النارَ وحدَها تستطيعُ أن تصنعَ من رمادِنا... فجرًا!
رمضانُ هو أن تخرجَ منه كالسماءِ السابعةِ: مليئًا بالفراغِ، متجردًا حتى من صفةِ التجرّدِ، جاهزًا لالتقاطِ سؤالِ اللهِ لكَ: «مَن خلقَ الوجودَ... فاختاركَ أن تكونَ؟»