رمضان بين الماضي والحاضر
رغبة من أحد الأصدقاء بكتابة مقال عن رمضان بين الماضي والحاضر.
وما أتذكره من الماضي الجميل الذي عشته أيام طفولتي، وما رأيت وعشت الذكريات الجميلة فيه، كان رمضانا جميلا بمعنى الكلمة، وما عاشه غيري من جيلنا وآبائنا وأجدادنا سوف يوافقني الرأي، كان رمضان قديما له طعم جميل بقلوب أهله الصافية المتحابة التي تحمل الحب والكرم والجود والتواصل بينهم،
وتبادل الأطباق المتنوعة اللذيذة فيما بينهم، والجميع فرح مسرور، وإذا نقص أحدهم شيئاً يأخذه من جاره، مثل الصحون والبصل والبطاطا، والطماطم وغير ذلك.
وينامون مبكرا في الأجواء الطبيعية أو فوق الأسطح أو في مزارعهم.
وفي آخر الليل يقوم المسحراتي، «المسحر» بإيقاظ أهل البلد «القديح» من النوم لتناول وجبة السحور، ويردد:
السحور السحور السحور يا عباد الله السحور اجلسوا تسحروا.
وأتذكر كان المسحراتي الحاج المرحوم عبدالكريم الجبارة «أبو حسين».
والحاج المرحوم علي المطرود «أبو محمد» رحمهم الله برحمته الواسعة، وكانوا يطرقون الباب، وينادون باسم صاحب البيت لإيقاظهم من النوم، لأن آباءنا وأجدادنا يعملون في المزارع والأعمال الشاقة، فيتعبون وينامون باكرا من التعب والإرهاق، وبعضهم لا يجلسون على صوت المسحراتي ولا يتسحرون.
كانت ذكريات جميلة جدا.
أتذكر ذلك في طفولتي.. وأقارن ذلك بين الماضي والحاضر.
كانت الوالدة حفظها الله تطبخ لنا بعض الأطباق أربعة إلى خمسة أطباق وعند الفطور أرى مائدة الإفطار أكثر من عشرة أطباق متنوعة أسألها من أين هذه الأطباق المتنوعة؟ تقول لي من عند جيراننا بيت فلان وفلان وفلان..
كانت قلوبا رحيمة طيبة في الزمن الماضي، مع صعوبة العيش وقلة المادة، ولكنها نفوس وقلوب طيبة لا تحمل حسدا وحقدا على أحد الجيران وجميعهم عائلة واحدة.
وأتذكر أيضا عندما ينقطع الماء من البيت، تذهب الوالدة بيت جيراننا تغسل الملابس والصحون.
شهر رمضان المبارك هو واحد من أقدس الشهور في الإسلام، حيث يحرص المسلمون في جميع أنحاء العالم على الصيام والعبادة وتطهير النفوس.
وفي الماضي، كان شهر رمضان يمثل وقتاً مميزاً في حياة الأسر والمجتمعات. كانت الأجواء الرمضانية تحمل طابعاً خاصاُ من البساطة والروحانية، حيث كان الناس أكثر ارتباطاً ببعضهم البعض وبالقضايا الدينية.
كان رمضان في الماضي فرصة للتواصل الاجتماعي والترابط المتين بين أفراد الأسرة. كان الإفطار غالباً يتم في المنزل مع اجتماع الأهل جميعا.
وكان الإفطار في الماضي يتكون عادة من الأطعمة التقليدية التي تعد في المنزل مثل الحساء والتمر والخبز واللبن. وكان تحضير الطعام عملية جماعية تشارك فيها جميع أفراد الأسرة، مما يعزز من شعور التعاون والمشاركة.
وكانت الحياة في الماضي أكثر بساطة، ويتميز رمضان بتقشف أكبر في بعض الأحيان، سواء في الطعام، أو في الأساليب المعيشية. كان الناس يقدرون النعمة في صيامهم، ويتعاملون مع رمضان على أنه وقت للروحانية والتأمل.
ومع تطور الزمن والتغيرات في أنماط الحياة، اختلفت كثير من العادات الرمضانية عن الماضي. أصبحت التكنولوجيا والعولمة تلعب دورًا مهمًا في حياتنا.
وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً أساسياً من الحياة اليومية، حتى في رمضان. منصات إلكترونية مثل فيسبوك، وإنستغرام، وتويتر، والتيك توك، أصبحت أماكن رئيسية لمشاركة اللحظات الرمضانية، سواء كانت صور الطعام أو النصائح الدينية أو التهاني. وقد يكون لهذا تأثير على العبادة والتواصل الاجتماعي، إذ قد يطغى الاستخدام الزائد لهذه الوسائل على حساب الأمور الدينية.
ولم يعد الإفطار مقتصراً على الأطعمة التقليدية. فقد أصبح من الشائع تناول وجبات متنوعة تضم أطعمة من جميع أنحاء العالم، بفضل انتشار المطاعم العالمية وتوفر المكونات من مختلف البلدان. وهذا قد يُقلل من الطابع التقليدي لوجبة الإفطار، ويجعلها أكثر تنوعاً.
ورغم التغيرات العصرية، إلا أن رمضان اليوم لا يزال يشهد نشاطات خيرية واسعة. تزداد فيه المبادرات الإنسانية والجمعيات الخيرية في جمع التبرعات وتوزيع الطعام على الفقراء. مثل السلة الرمضانية وغيرها من الأنشطة الخيرية، لكن التكنولوجيا ساهمت أيضا في تسهيل هذه الأنشطة، حيث يمكن التبرع عبر الإنترنت، أو من خلال التطبيقات مباشرة لحسابات الجمعيات الخيرية.
رمضان اليوم يختلف عن الماضي من حيث الشكل والأنماط، لكن جوهره وروحانيته تظل ثابتة. يتعين على كل مسلم أن يسعى للتوازن بين متطلبات الحياة العصرية وضرورة استثمار هذا الشهر الفضيل في العبادة والتقوى، ساعيًا للتقرب إلى الله والاستفادة من نعمة الصيام. رمضان في الماضي كان يحمل بساطته وجماله. ورمضان اليوم يمكن أن يكون فرصة للاستفادة من التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي بشكل إيجابي، وفي نفس الوقت الحفاظ على القيم الروحية العميقة التي تميز هذا الشهر الكريم.
اللهم بلغنا صيامه وقيامه والله يحفظ أحبتنا من كل سوء ومكروه، وأن نصفي قلوبنا في هذا الشهر الكريم من الحقد والحسد والكراهية والبغض، وأن نتسامح ونصفح ونتمتع بالكلمة الطيبة والابتسامة للآخرين...