آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

العلم يهتف بالعمل..

كمال أحمد المزعل *

قصص الحياة مليئة بالعظات والعبر، وهي تتركز في عقولنا وتتبلور على شكل قيم ومواقف في نفوسنا، ونجد في كثير من الأحيان وبشكل واضح، ما يؤكدها في القرآن أو السيرة النبوية، ومن ذلك المقولة المشهورة «العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل» عن الرسول ﷺ، نحن نعلم ونعي ونشاهد أن تلك، الكلمات ليست كلمات مجردة، بل نرى تطبيقاتها على أرض الواقع.

المغزى أن على المرء أن يعمل أولا وقبل كل شيء، فالقرآن يقول ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا [الإسراء: آية 20] فمن يعمل فإنه وبلا أدنى شك سيجد نتيجة عمله، وليس الأكثر تدينًا حسب المفهوم السائد هو من يكون ناجحًا في حياته، وليس تدينه هو المقياس لتحقيق النتائج، وليس الإيمان بالله وحده هو من يوصله إلى طريق النجاح والتفوق، وقصة ذلك الرجل الذي جاء للرسول ومعه ناقته فقال يا رسول الله «أتركها وأتوكل، أم أعقلها وأتوكل؟، فقال له الرسول، أعقلها وتوكل» فكونك مؤمنًا بالله لا يعني أنك ستخرق السنن الكونية، وتجد الدابة مكانها من دون أن تعقلها، مثلها مثل الطالب الذي قد يدعي أنه سيتكل على الله وبالدعاء سيدخل الامتحان دون أن يدرس، ويتوقع النجاح، هذا غير ممكن بالطبع، مع التوكل على الله والدعاء يجب أن يكون هناك عمل.

كنت أتحدث مع أحد المناديب في شركة من الشركات وأعلق على حجم عمله الضعيف، فبادرني بالقول إن هذا هو رزقي، يريد أن يقول إن هذا ما رزقه الله، فماذا يعمل، نعم الله قسم له ذلك الرزق، ولكنه مقرونا بضعف العمل، قلت له إن رزقك بقدر عملك، فرزقك الضعيف نتيجة عملك الضعيف أيضا، فيلزم ألا نسمح لهذه الكلمات والمواقف أن تتحكم في حياتنا، فنقول هذا رزقي، ليكون مبررًا لضعف النتائج، ففي الأصل أن لا نتيجة إلا ويقابلها عمل مماثل.

اللاعب المتفوق والمبدع، بالرغم من أن الموهبة قد تكون لها دور، إلا أن حجم الجهد الذي يبذله من المؤكد أنه كبير، فتجد أن أغلب اللاعبين المشهورين عالميًا، ملتزمون بساعات تدريب طويلة، وفي كثير من الأحيان أكثر من غيرهم، ويلتزمون ببرنامج لتقوية عضلاتهم، إضافة إلى الالتزام بنظام غذائي ممتاز، وغالبا أيضا ساعات نوم مناسبة وجيدة، كل تلك الأمور هي التي أوصلتهم إلى ذلك النجاح، ولو تتبعنا سيرة أغلب اللاعبين في مختلف الألعاب لوجدناها هكذا، يعملون ويهتمون أكثر بكثير من غيرهم، فلا نتائج من دون عمل.

هناك مقولة مشهورة إلا أن البعض يحاول أن يفهمها بالمقلوب، وهي مقولة «لو تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش» يفهمها أن رزقك مكتوب مهما عملت، بالتالي لا داعي للعمل الكبير والمضني، وهذا التفسير خاطئ، فالمعنى أنك ستأخذ رزقك في كل الأحوال، إذا كنت نائمًا أو كسولًا أو متخاذلًا، فستحصل على الرزق، الذي يتناسب مع ذلك النهج، ولو تعبت وعملت وجريت «جري الوحوش» فستحصل على رزقك أيضًا، وهو الرزق الذي يتماشى مع «جري الوحوش» هذا هو التفسير المنطقي والواقعي، والذي يتماشى مع منطق القرآن.

ولعلي أختم بالقصة الخيالية التي تتحدث عن ذلك الرجل، الذي كان يدعو ربه كل ليلة للحصول على جائزة اليانصيب، وفي المنام جاء من قال له قم بشراء ورقة الدخول في اليانصيب، وعندها ستفوز، فهو لم «يعمل» لم يشتر الورقة، ويطمح بالحصول على الجائزة، وهذا غير ممكن، فالعمل أولا وقبل كل شيء، وعندها سترى النتيجة.

سيهات - عضو مجلس بلدي سابق - راعي منتدى سيهات الثقافي