آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

شهر الله وقضاء المهمات

جهاد هاشم الهاشم

قال الله - تبارك وتعالى - في محكم كتابه الكريم: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى? وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى? سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ? يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى? مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [ البقرة: 185].

نعم هو شهر الله المبارك شهر الله المبجل، شهر الله الفضيل. أعد الله - جل جلاله - للمؤمنين المتقين فيه من المثوبة الشأن العظيم فالحديث عن قدسية وغزارة عطائه وجميل إحسانه وبحبوحة أجرة.

ليس من المستطاع إطلاقًا لنا نحن بني البشر إحصاء الجود والعطاء، والإنعام والسخاء الذي يناله ويحصده المتقون من الجوائز الإلهية، والغنائم الربانية التي لا يضاهيها في الحياة الدنيا مثيل ولا يوازيها في الخلائق والكائنات شبيه من جزيل النعم لهذا الضيف الكريم.

وفي هذه المخطوطة المتواضعة لن ندخل في البعد الفلسفي للكلمات - التي هي حتما لا يحبذها القراء - في كل المقالات بشكل عام فاتباع المفردات التي تميل للبساطة وسهولة المضمون هي لا شك ستكون أقرب للتفاعل لأصحاب المطالعة واستقاء الفكر وتراكم المعارف والعلوم لهذا الشهر المبارك هو حالة فكرية إيمانية استثنائية. ومن هذا المنطلق سنسلط الضوء على الجانب التعبدي والإيماني وتبيان المآثر الحقيقية التي تتعلق بالسلوكيات والأفعال بشكل خاص وكذلك المبادئ الأخلاقية للأفراد الأسوياء الأكثر حكمةً واتِّزانًا ونضوجًا ناهيك عن كل ما يتعلق بالقيم الحميدة والعبر الناجعة المستوحاة من كتاب الله الأقدس والموجهة نحو كل ما هو أفضل وأجود لصنوف الاستثمارات التي تحاكي ما جاء به رسولنا الأكرم ﷺ وهي تعليمات ومنهج قويم مستنبط من منارات القرآن الأقدس وهو كلام الخالق جلت قدرته الذي لا تشوبه شائبة على الإطلاق.

إن الإمساك عن المشرب والمأكل في نهار ذلك الشهر الأسمى واجب شرعي. لا خلاف فيه ولكن هناك ثمة أمور عديدة يجب التوقف عندها واستحضارها أمام ذاكرتنا وضمائرنا وإنسانيتنا وبالتالي الذهاب تجاه منحى خاص يتناسب وفضل ذلك الشهر الجليل الذي تفتح فيه أبواب الرحمة والغفران ويجود سبحانه على عباده بشتى أنواع الكرامات وجزيل العطايات.

شهر تجاب فيه الدعوات وتتضاعف الدرجات وتكثر الصدقات والتلذذ بقيام الليل والنهار وتلاوة الآيات من القرآن وصلة الأرحام الأقدام على التقوى والبر والإحسان والإقبال على الطاعات وهو شهر تقال فيه العثرات ويصفح عن السيئات.

إن تلك الأيام المباركة هي فترة زمنية تتكرر ثلاثون يومًا من كل عام تنمو فيها معاني الرحمة والعطاء بأفضل صورها نعم إنها أيام معدودات؛ تتلاقى فيها الأفئدة وتتفق المساعي لإنعاش روح التكافل الاجتماعي حيث تضيء وتشع للبشرية أرقى مفاهيم الإنسانية والتعاضد وتضافر الجهود كما تُعلمنا تلك الليالي المباركة أن الإرادة الحقيقية لأمتنا الكبيرة تكمن فيه إقصاء التنافر والعمل على النقيض من ذلك تماما بمعنى توحيد الصفوف وتآلف القلوب لتتجسد أسمى ما يمكن إنجازه على الصعيد الأخلاقي والتربوي من المبادئ والقيم النفيسة التي منها نصل جميعًا للأهداف الثمينة والمنشودة التي نادى بها جل شأنه في شهره الأعظم.

وللتكافل الاجتماعي في شهر الخير والمعروف أوجه عدة ويمكن لمن أراد أن يمارس التودد والتقرب إلى البارئ جل في علاه وهذا لا ريب فيه باعتبارها فرصة ليس لها من الأجر والثواب حد محدود فالمبادرة والاجتهاد لقضاء حوائج الآخرين من المعوزين وضعفاء الحال والمحرومين المتعففين وبالأخص من بني مجتمعه وهذا مما لا شك فيه له من الثواب ما لا يمكن إحصاؤه عند الله سبحانه وتعالى ولنا في ذلك شاهد عيان ونقصد هنا المبادرة الكريمة التي تستحق منا جميعا الإشادة والتقدير والاحترام لما تحمله من بعد إنساني جليل لقضاء حاجات المحتاجين وهي من أنبل طرق تقرب العبد لخالقه عز وجل.

ومن هذا المنطلق لا يسعني وأصالة عن نفسي ونيابة عن جميع أهلنا في قطيفنا الحبيب وسيهاتنا العزيز أن نتقدم بالشكر والعرفان للناشط الاجتماعي الأستاذ السيد: تقي اليوسف. على ما أقدم بنسخته الرابعة لرمضان بلا إيجار التي تحمل في خضمها أعلى مشاعر الود والحب والإحساس تجاه جمع من الذين هم بحاجة لمد يد العون لهم بالتخفيف والتقليل لما يحملونه على عاتقهم من ضيق الحال وتكاليف المعاش فالشكر حقيقة هي مفردة لا تفي هذا السيد الموقر حقه على ما يبذل من جهد ليس بالقليل لخدمة مجتمعه وأهله ومحبيه فجزاه الله عن الجميع خير الجزاء وأثقل بذلك ميزانه من الأجر والثواب.

وختامًا إخوتي المؤمنين نؤكد ونوجه نداءنا لأبناء مجتمعنا المحترمين والخيرين الأسخياء زادهم الله من فضله ونعيمه وتوفيقه من رجالنا الأوفياء ونسائنا الفضليات أن تكون تلك المبادرة الحانية لها من أولوياتهم واهتمامهم نصيب وأن ينظر لها بعين ملؤها عطف ورحمة فالتفاعل مع هكذا أمور هو من أشدها فوائد وأفضلها مثوبة وسيؤدي في نهاية المطاف إلى خلق مجتمع مترابط متعاون ومتحاب وتتجلى أهمية الأعمال الصالحة فيما أعده الله لفاعلها من الأجر البليغ والمنزلة الرفيعة وبالأخص في ذلك الشهر الشريف قال - تعالى -: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: آية 133,134].

اللهم بلغنا رمضان ونحن بأحسن حال لا فاقدين ولا مفقودين واجعلنا من عتقائك من النار اللهم اجعل صيامنا خالصًا لوجهك الكريم اللهم أعنا على صيامه وقيامه وتلاوة كتابه اللهم اغفر لنا وارحمنا وتجاوز عنا وتقبل منا صالح الطاعات اللهم اجعلنا ممن ينال رحمتك وعفوك ورضاك اللهم أعنا على فعل الخيرات وترك المنكرات إنك ولي ذلك والقادر عليه.

وكل عام والقيادة سالمة وكل عام والوطن وكافة أفراد الشعب السعودي والأمة العربية والإسلامية محفوفون برعاية الله وحفظه، وكل عام وجميع الأحبة بصحة وعافية.