مباخر أبو حبيب.. حكاية حرفي يُحيي تراث المباخر الخشبية
في قلب الحرف اليدوية التقليدية، يبرز محمد مغيص، المعروف بـ“أبو حبيب”، كأحد المحافظين على فن صناعة المباخر الخشبية، حيث تمكن من تحويل هذه الحرفة من مجرد صناعة وظيفية إلى عمل يعكس عمق التراث المحلي وأصالته. بفضل مهارته المتقنة وخبرته الممتدة، استطاع مغيص أن يحافظ على هذا الفن التقليدي، ناقلًا أسراره للأجيال القادمة لضمان استمراريته.
بدأت رحلته في هذه الحرفة منذ سنوات طويلة، حيث نشأ في بيئة تقدّر الأعمال اليدوية، ما جعله يكرّس وقته وجهده لتطوير مهاراته في نحت وتصميم المباخر. ولم تكن صناعة المباخر لديه مجرد حرفة، بل كانت شغفًا متجذرًا يعكس تفاصيل الحياة التراثية. فكل قطعة يصنعها تحمل بصمته الخاصة، مستوحاة من العمارة القديمة والنقوش التقليدية، ما يمنحها قيمة جمالية تتجاوز وظيفتها الأساسية.
وتعد المباخر التي يصنعها بمثابة قطع فنية متفردة، حيث يحرص على اختيار أجود أنواع الخشب، وينفذ النقوش بدقة مستلهمًا من تفاصيل البيوت التراثية، مما يضفي على كل مبخرة طابعًا خاصًا يعكس التراث المحلي.
لم يتوقف“أبو حبيب”عند حدود الإبداع الفردي، بل حرص على نقل هذا الإرث إلى أبنائه، ليكونوا امتدادًا لهذه الحرفة العريقة. نشأ أبناؤه في كنف هذه المهنة، متشبعين بأساسياتها وأسرارها، ليتقنوا تدريجيًا فنون النحت والتصميم، ما يضمن استمرارية هذا الفن عبر الأجيال.
يمثل عمل“أبو حبيب”جسراً يربط الماضي بالحاضر، حيث يجمع بين الأصالة والتجديد، محافظًا على القيم الجمالية القديمة، مع إضافة لمسات إبداعية تعكس روح العصر. كما أن هذه الحرفة لا تقتصر على الجانب الجمالي فقط، بل تحمل في طياتها دلالات ثقافية تعزز الهوية التراثية وتعكس تاريخ المنطقة.
وتبقى مباخر“أبو حبيب”شاهدًا على قدرة الحرف اليدوية على الاستمرار في مواجهة التحديات، فهي ليست مجرد أدوات لحرق البخور، بل تحف فنية تنطق بالتاريخ، وتؤكد أن الحرف التقليدية تظل جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي متى ما وجدت من يعتني بها ويحرص على إحيائها.