آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

الأحساء والمئة مليار دولار

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

تماهت الأحساء مع رؤية المملكة 2030 بحماسٍ متوقد واندفاع للإنجاز، فمنتدى الأحساء الذي بدأ قبل 20 عام الذي تنظمه غرفة الأحساء بالتعاون مع هيئة تطوير الأحساء وأرامكو السعودية، لطالما كان مُعدداً للمزايا النسبية والتنافسية، ومذكراً بالفرص الواعدة التي تكتنزها الأحساء. ففي النسخ الرابعة والتي عقدت يومي 30-31 مارس 2016، أي قبل أسابيع من إطلاق رؤية المملكة 2030 في 25 أبريل 2016.

وقد خلصت النسخة الرابعة من منتدى الأحساء للاستثمار إلى ثمان توصيات: «1» إعداد خطة استثمارية وتنموية لمحافظة الأحساء للعام 2030، «2» استمرار التعاون والتنسيق والمتابعة مع وزارة الطاقة والجهات المعنية لتطوير المدن الصناعية بالأحساء، «3» وضع خطة متابعة متكاملة لدعم خطط وبرامج الإسكان وزيادة مشاريعها في الأحساء، «4» الاستغلال الأمثل لشبكات الإمداد والخدمات اللوجستية من مطار وخطوط سكك حديد وطرق لمواكبة التطورات التنموية التي تشهدها الأحساء، «5» العمل مع الشركاء ووزارة الزراعة لدعم البرامج والخطط الزراعية التنموية لرفع كفاءة المزارعين وتشجيع تسويق التمور الخ، «6» زيادة التنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لاستغلال المواقع السياحية والتراثية، «7» العمل مع الشركاء لحث القطاعين العام والخاص على إنشاء معاهد متخصصة لتدريب وتأهيل الشباب في كافة القطاعات، «8» العمل بالتنسيق والتعاون مع الشركاء على دعم حاضنات الأعمال لشباب وشابات الأعمال بالتعاون مع الصناديق التنموية.

في العام 2016 انطلقت رؤية 2030 لتضع المملكة في سياق تحولي غير مسبوق مؤطر بإطارين؛ حَوكَميّ وزمني وبمستهدفات كمية، فأحدثت عبر ما يقارب تسع سنوات تغييراً تحولياً مزعزعاً، ليس فقط على المستوى الوطني فحسب بل كذلك على مستوى المناطق الإدارية والمحافظات ضمن المناطق. وإمعاناً في ان توظيف المزايا النسبية والتنافسية لكل بقعة بما يعزز الاقتصاد المحلي لكل منطقة ومحافظة وتكون المحصلة تسارع نمو الاقتصاد الوطني.

وهكذا، أتت رؤية المملكة 2030 بحزمة من الممكنات لإطلاق القوة الكامنة في كل بقعة من بقاع المملكة، وكان للأحساء نصيبها من تلك الممكنات المالية والتنظيمية، ويأتي في مقدمة ذلك إنشاء هيئة تطوير الأحساء، التي أنشئت بموجب الأمر الملكي في مايو 2022، والتي تهدف إلى التخطيط والتطوير الشامل في المجالات العمرانية والسكانية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية والثقافية والبيئة والنقل والبنية الأساسية والبنية التحتية الرقمية، مما يسهم في تطوير الأحساء ورفع المستوى المعيشي والاقتصادي لها.

وفي النسخة السابعة التي عقدت الأربعاء والخميس الماضيين، كان فارقاً كبيراً ليس فقط بما طرح في جلسات المنتدى العشر، بل فيما يدب في الاقتصاد المحلي للأحساء من حراك جاء معززاً بنتائج من حيث كثافة مشاركة الرياديين والشركات الريادية التي استعرضت 10 منها تجاربها الناجحة في مسرح خصص لذلك، وبنمو كبير في عدد رخص الاستثمار الأجنبي في الأحساء التي تجاوزت 100 رخصة باستثمارات تبلغ 2,5 مليار ريال، ورصد 53 فرصة استثمارية واعدة باستثمارات بنحو 50 مليار ريال، ونمو يتجاوز 50 بالمائة في المرافق السياحية وانفاق سياحي يزيد على 3,3 مليار ريال.

تلك الإنجازات تقوم على الدافعية المُمَكِنة التي أتاحتها الرؤية وبرامجها واستراتيجياتها ومبادراتها، والسعي الحثيث والمتواصل من قبل صاحب السمو الملكي أمير المنطقة الشرقية وصاحب السمو الملكي محافظ الأحساء لتحقيق إنجازات على الأرض تستثمر الموارد الوفيرة للأحساء من موارد بشرية شغوفة بالعمل والانجاز، وإرث حضاري وثقافي عريق، وموارد طبيعية من نفط وغاز ولاسيما حقل الجافورة للغاز غير المصاحب، وموقع جغرافي على الخليج العربي ومتاخم لدول مجلس التعاون، وبنية تحتية متطورة، وامتداد جغرافي على اتصال بأهم الحواضر في وسط وشرق المملكة.

أما السياق الذي يعايشه اقتصاد الأحساء حالياً، فيختلف نوعاً عما كان عليه قبل انطلاق الرؤية، ويمكن استخلاص ذلك بإلقاء لمحة على توصيات النسخة السابعة من منتدى الأحساء الذي اختتم أعماله يوم الخميس الماضي «20 مارس 2025»، والتي تمحورت حول تعظيم المحتوى المحلي من أعمال تطوير حقل الجافورة، تطوير منظومة بحث وابتكار صناعية، تطوير مناطق لوجستية شاملة، تطوير استراتيجية تسويقية للأحساء كوجهة سياحية، تطوير استراتيجية لفعاليات الأحساء، وتطوير المهرجانات الموسمية بناءً على نجاح مهرجان التمور ومهرجان اللومي الحساوي، بناء خطة عمل متكاملة لإدراج الأحساء ضمن منصة“استثمر في السعودية”وحملاتها الخارجية.

وعند طرح السؤال: كيف يمكن تسريع نمو مساهمة الأحساء في الناتج المحلي الإجمالي، أن التميز والسعي للتخصص هما عاملان إضافيان ضروريان؛ فعلى سبيل المجال في نشاط السياحة ستتميز السياحة في الأحساء بتعزيز السياحة التراثية والطبيعية أخذاً في الاعتبار الغنى التراثي والأماكن وامتداد المساحة من نشاطات ثقافية وآثارية وبحرية وصحراوية، ومثال آخر في قطاع الزراعة التوجه للصناعات الزراعية الابتكارية عالية التقنية وزيادة الاستثمار في الصناعات الغذائية المرتبطة بالمنتجات المحلية، مثل مركز تميز لكيمياء التمور تتبعهُ حاضنة للابتكار بما يرفع الاستفادة من كامل سلسلة القيمة للتمور ويتجاوز عمليات تسويقه كمنتج نهائي وعمليات التعبئة والتغليف إلى صناعات كيمائية متقدمة.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى