آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

الذين يكتبهم التاريخ

إيمان عباس *

هل يمكن للتاريخ بالفعل أن يختار بنفسه من يمكنه أن يتربع على عرش ذاكرته أم أن ذلك يتم فقط بفعل البشر أنفسهم؟ وهل يكون ذلك ضمن آلية واحدة بالنسبة للجميع على حد سواء؟ بعيدًا عن قضية الإنصاف التاريخي التي قد تبرز وتحجب من تشاء وفق معاييرها وظروفها الخاصة وهو ما اختصره عالم الاجتماع ابن خلدون في مقولته الشهيرة: ”إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق“

في الواقع هناك أشخاص يكتبون التاريخ، وهناك أشخاص.. التاريخ هو الذي يكتبهم! الموجود في الطرف الأول إما أن يكون محبًا ومتأثرًا بشخصيات معينة فيقوده ذلك الحب والتأثر إلى الكتابة عن مسيرة حياة تلك الشخصيات وإنجازاتها المختلفة، أو أن يكون باحثًا عن أثره الشخصي فيقوده حرصه على بقاء اسمه وحضوره لامعًا في صفحات الذاكرة التاريخية إلى العمل بكل جد على صناعة ذلك الاسم وذكر إنجازاته في كل محفل، ونلاحظ كثرة وجود ”الأنا“ في حواراته ولقاءاته، وهو في الغالب ينجح أخيرًا في وصول اسمه إلى جزء من صفحات التاريخ البشري ولكن في أغلب الأحيان يكون تأثيره حصرًا على المهتمين بالمجال الذي نجح فيه ولا يتعدى ذلك الحد.

أما الموجود في الطرف الآخر فهو على العكس تمامًا إذ أنه في الغالب لم يكن حريصًا على بقاء وحضور أي شيء سوى مبادئه والقضايا التي يؤمن بها وإن كلفه ذلك فقدان حياته، ومهما تعددت تضحياته يجد نفسه دائمًا في دائرة التقصير وليس التكامل، ولا نراه يتحدث عن ذاته في سياق الزهو والفخر الذاتي بل نجده دائمًا يعبر عن نفسه بصفة جماعية، ومثل هذا الشخص لا يمكن للتاريخ أن يخطئ حضوره أبدًا؛ لأنه لا يعمل لمصلحة ذاتية، ولا يعرف المجاملة ولا المساومة على حساب ما يؤمن به؛ ولذلك لا يقتصر تأثيره فقط على المؤيدين لشخصه وخطه بل يتعدى ذلك ليصل هذا التأثير إلى خصومه وأعدائه الذين لا يتوقفون عن مراقبة أقواله وأفعاله بكل دقة؛ فمثله لا يبحث عن الضوء ولكن الضوء هو الذي يبحث عنه وبذلك هو لا يكتب اسمه متعمدًا في ذاكرة التاريخ ولكن ذاكرة التاريخ تخجل من أن يمر مثله عليها مرور الكرام.

كاتبة بحرينية