آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

ذكرى البدايات

جهاد هاشم الهاشم

الثاني والعشرون من شهر فبراير من العام 1139 هجرية 1727 ميلادية هو اليوم الذي نُقش بأحرف من ذهب وفيه تأسست الدولة السعودية الأولى على يد المغفور له - بإذن الله تعالى - الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - ومنذ ذلك الحين كانت الجزيرة العربية على موعد مع إنشاء وبناء دولة عظيمة مقتدرة أثبتت الأحداث فيما بعد أنه وطن يستحق النظر له بفائق التقدير والاحترام من كل أقطار العالم؛ لما تمتلكه المملكة العربية السعودية من مقومات غاية في الأهمية أضافت الشيء الكثير للبشرية قاطبة، من فكر إسلامي أصيل وبعد تاريخي تليد وعمق ثقافي عريق، هذه العناصر الثلاثة مجتمعة مهدت للبنة الأولى ولباكورة ذلك الوطن المهيب الذي أصبح من أهم دول العالم المؤثر بشكل رئيس في العديد من المجالات ومنها الاقتصاد الخليجي والعربي والدولي، ناهيك عن المكانة الدينية والقدسية باعتبارها قبلة المسلمين في أصقاع الأرض ومهبط الوحي والتنزيل، وهذان العاملان المقدسان جعل البلاد مقصدًا لجميع بلاد المعمورة لأداء مناسك الحج والعمرة وزيارة طيبة الطيبة حيث مرقد الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وهذا شرف مخصص لبلاد الحرمين دون سواها على الإطلاق.

ولكل ما تقدم من مآثر وسمات يُنظر لها من ذوي العقول المضيئة أنها خصائص تستحق التبجيل والوقار؛ لما تحمله من إرث قيمي ومعرفي أغنى العالم الإسلامي بل العالم بأسره بعلوم لا حد لها؛ لهذا جاء صدور الأمر السامي الكريم من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - سلمه الله ورعاه - بهذا الشأن بأن يكون التاريخ سابق الذكر هو يوماً للتأسيس وهو اليوم الذي انبثقت منه ما قد ذُكر أعلاه من وعي وفكر وحضارة تحت رعاية الشارع المقدس القويم، وما هذا المرسوم المبارك إلا نتيجة طبيعية لما تحظى به هذه البلاد حكومةً وشعبًا ومقدراتٍ من مكانة مرموقة وعالية وهي دومًا هكذا مكسوة بتاج العز والرفعة والسناء.

الإخوة المواطنون إن هذه البلاد الميمونة لا تحتاج في واقع الأمر أن يسرد أو يكتب عنها قصص المديح والثناء من قبل الصفوة والكتاب وكذلك هي بغنى عما ينظمه الشعراء من القوافي والأبيات أوما يدونه المؤرخون من وصف للمواقف والأحداث؛ فمملكتنا ولله الحمد مليئة وثرية بما يكفي من شواهد العزة والشرف والعظمة، وعندما نطلق هذه الكلمات فهي من المسلمات - لا شك - فبلادنا حباها الله جل في علاه ببيته العتيق ومرقد رسوله الكريم الذي هو رحمة للعالمين وبهذين المكانين المقدسين تبوأت البلاد مرتبة لم ولن تصل إليها أي دولة في هذه المعمورة قاطبة، ناهيك عن عدة عوامل أخرى كالموقع الجغرافي وإطلالتها على بحر الخليج العربي شرقًا والبحر الأحمر غربًا بالإضافة إلى امتلاكها وفرة عالية من المعادن الطبيعية في أراضيها.

ومن هذا المنطلق اكتسبت هذه الدولة الفتية أهمية بالغة سهل عليها مزاولة التجارة العالمية إلى جانب انصهارها مع ثقافات مختلفة للدول المجاورة بل أبعد من ذلك بكثير باستقبالها ملايين المسلمين سنويًا في تجمع عالمي مهيب لأداء مناسك الحج والعمرة، وهذه المحافل الإسلامية الكبرى كشفت للعالم بأسره جدارة المملكة وقدرتها البالغة والدقيقة في إدارة تلك الظاهرة المنقطعة النظير، لبراعة التنظيم وحسن التدبير وتذليل كل الصعاب التي من شأنها توفير أفضل السبل للراحة وتقديم العون بجميع أشكاله خدمةً لضيوف الرحمن وابتغاء لمرضاته سبحانه.

إن المراقب لبلادنا يسمع ويرى بصورة لا شك فيها التطور الملحوظ والمتسارع الذي يلازم كل المجالات التي من خلالها يظهر للجميع الانتعاش المستدام لما تحقق من نجاحات عدة بما يتعلق وبشكل خاص ببناء القاعدة الاقتصادية وتنويعها لتقليل الاعتماد على الإنتاج المقترن بالبترول، وذلك من خلال تعزيز قدراتها الإنتاجية والصناعية في القطاعات المختلفة بجميع صنوفها والدفع بها للأمام بتعزيز منابع دخلها كالزراعة وتنوع مصادر الغذاء والسياحة الدينية، كما شهدت مملكتنا نموًا ملموسًا في الآونة الأخيرة تمثل في مظاهر عدّة أهمها تطوير ودعم القطاع العلمي لتفعيل دوره كمحرك للتحول الصناعي في البلاد بالإضافة إلى توفير مناخ استثماري عالي الجودة للمستثمرين وغيرها من الخطوات والإجراءات التي كانت عاملًا لما تشهده هذه البلاد من تحولات أبهرت في مخرجاتها ونتائجها وفوائدها كل المعنيين والاقتصاديين وأصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال والشركات الكبرى في الداخل والخارج.

وقبل أن نصل للختام هناك حقيقة يجب الإشارة إليها وهي أن الحديث عن تأسيس البلاد حكاية يتعذر علينا جميعًا أن نخبر عنها وننقلها في سطور محددة بقافية شعر أو تحرير مقال أو بتأليف مخطوطات ومجلدات أو بروايات مختلفة نقصها للأبناء والأحفاد لمنطلق البدايات على خلاف ما يُشاع من بعض المؤرخين وأرباب الأقلام الذين لا حكمة ولا معرفة ولا نضوج لهم تجاه تاريخنا العتيد المحاط بصولات وجولات نتائجها مروءة وشجاعة وبطولات، إذ يعود تأسيس الدولة البكر إلى أكثر من ثلاثة قرون حافظت خلالها على وجودها وكينونتها واستقلالها ومنذ تلك الحقبة المنصرمة حتى يومنا هذا وهي دولة عربية متمكنة خالصة بإسلامها السمح وقادتها الأوفياء وشعبها الأبي.

إن هذا اليوم العظيم هو مناسبة وطنية غالية نستذكر فيها أولى الخطوات وهي مليئة بالانتصارات والأحداث التاريخية والثقافة وهذا يُظهر حقيقة وعراقة وأصالة هذا الشعب الكريم بتراثه وحضارته وإنجازاته وثقافته ووعيه من خلال إظهار الأفراح والمسرات بهذا اليوم البهيج، وفيه يتم تعزيز وترسيخ المعاني العالية للوحدة والانتساب والمحافظة على جميع المكتسبات والمغتنمات الثمينة لمسيرة متعاظمة وحافلة بالعطاء والتشييد اللامحدود وكذلك الترابط بين كافة أفراد هذا الوطن الباسق بعضهم ببعض هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما يُشاهد بشكل بارز وجلى من التفاف والتحام لمواطنينا بزعامتنا الحكيمة بقيادة مليكنا المفدى سلمان الخير والعطاء سلمان الحب والوفاء سلمان الجود والسخاء جزاه الله عن جميع رعاياه عظيم الجزاء والثواب وسلمه الله وسدد مساعيه وثبت على الحق خطاه.

وننهي حديثنا بالقول وبهذه المناسبة وهذا اليوم المشرق نبعث لكل من ينتمي للمظلة السعودية أسمى معاني الولاء والود والانتماء لهذا الوطن الهمام وكل عام وقيادتنا متألقة وشامخة وكل عام والأسرة المالكة بصحة وعافية وكل عام ورايتنا الخضراء ترفرف خفاقة في عنان السماء وكل عام وشعبنا السعودي في تقدم وازدهار وكل عام وإنجازاتنا العظمى في مجد وعلو ونماء وكل عام ونحن على طريق الحصاد والتطوير والبناء.