حاجز الرياض أمام فرض الأمر الواقع
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مالئ الدنيا وشاغل الناس بتصريحاته ومواقفه التي يعدّها المراقبون خارجة عن مألوف الدبلوماسية الأميركية. فهو يقول ما يؤمن به من دون أن يهتمّ بردّات الفعل، سواء على مستوى الداخل الأميركي أو المستوى الخارجي. ومن أبرز التصريحات التي أدلى بها ترمب مؤخراً رؤيته في تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، التي جاءت على شكل مشروع يرى ترمب وجوب تنفيذه من أجل حسم الصراع وتفادي تكرار ما حصل في 7 أكتوبر «تشرين الأول» 2023.
لقد سبق وعبّر ترمب عن قلقه على مستقبل إسرائيل بسبب صغر مساحتها التي شبهها بأنها لا تتعدى رأس القلم الضائع وسط طاولة مكتب كبيرة. لذلك فهو يرى الحل في خروج الفلسطينيين من القطاع، وتوطينهم في الأردن وشبه جزيرة سيناء المصرية، وإنهاء النزاع. ببساطة شديدة جداً، شخّص ترمب المشكلة في وجود الفلسطينيين بالقطاع، وليس في صعوبة الحياة التي يعيشونها والتي هيأت بيئة ناقمة على الاحتلال.
ترمب يعي ما يقول ويتفهمه من خلال قراءة السياق التاريخي للصراع العربي - الإسرائيلي. فإسرائيل لم تنسحب من أرضٍ احتلتها إلا في حالة واحدة، وهي سيناء، وقد قبضت مقابلاً مجزياً للانسحاب من تلك الأرض التي تعادل أربعة أضعاف مساحة الأراضي الفلسطينية المحتلة. فمقابل الانسحاب حصلت إسرائيل على الاعتراف السياسي والعلاقة الدبلوماسية من الدولة الأكبر عربياً من ناحيتي عدد السكان وحجم الجيش، والتي مثّلت رأس الحربة في كل الحروب العربية - الإسرائيلية قبل اتفاقية «كامب ديفيد».
إسرائيل التي ترفض مبادرات السلام العربية الشاملة التي تترأسها المملكة العربية السعودية، هي نفسها التي تأمل في أن يتمكن ترمب من إقناع السعودية بجدوى إقامة علاقات دبلوماسية معها. بالمقابل، فإن السعوديين يعون تماماً وزن بلدهم، وأنهم لن يقدموا على خطوة لا تتماشى مع مبادراتهم التي قدّمها ثلاثة من قادتهم الكبار الذين شغلوا منصب ولي العهد «هم الملكان الراحلان فهد وعبد الله، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان».
لذلك ليس غريباً أن تقف السعودية حاجزاً منيعاً أمام محاولة فرض الأمر الواقع على منطقة الشرق الأوسط، فقد صرّح الأمير محمد بن سلمان في افتتاحية مجلس الشورى السعودي بأنه لا علاقات مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية، وقد ردّت «الخارجية» السعودية بوضوح على الدعوات الأخيرة، بأنها لا تتماشى مع الموقف السعودي الثابت حيال القضية الفلسطينية.
إن الموقف السعودي الثابت من حق الفلسطينيين في التمسك بأرضهم وإقامة دولة فلسطينية، هو الأمل الأخير للقضية الأكثر حساسية في العالمين العربي والإسلامي، وهذا ما تعيه المنطقة بشكل عام، والقيادة السعودية بشكل خاص. أما بالنسبة لتصريحات ترمب، فإن السياسة السعودية تقوم على رؤية ثابتة، ولا تخضع للمزايدات من أي رئيس أميركي يريد أن ينجز صفقة تحسب له في تاريخه. وإذا كان الرئيس الراحل جيمي كارتر قد تمكّن من أن يقنع الرئيس المصري الراحل أنور السادات بتوقيع اتفاقية «كامب ديفيد» بعنوان الصداقة الشخصية، فإن الأمير محمد بن سلمان ثابت على موقفه المبني على موقفي عمّيه الراحلين ووالده الذي عُرف بدعم القضية الفلسطينية منذ أن كان أميراً لمنطقة الرياض.
ختاماً؛ العقلانية السعودية التي يراهن عليها العرب مبنية على سياق تاريخي واضح يراعي المصالح الوطنية السعودية، والالتزام بالدور القيادي للرياض على المستويين العربي والإسلامي.