سر الوجود وتجلي الأبدية
منذ الفجر الأول للكون، حيث كان العدم هو الحاكم المطلق، ظهرت المرأة كالشمس التي لا تُرى إلا في بزوغها، ولكنها كانت هناك دائمًا، تراقب الأرض من حافة السماء. هي ليست مجرد بداية؛ هي ديمومة الوجود، التي لا تُحدُّ بدورة الزمن ولا تُسجن في مفردات العالم المادي. هي الحلم الأول، والقصيدة التي لا يمكن للزمن أن ينقضها. في عيونها، يلتقي الوجود بالعدم، ويحترق الكائن في لغز جديد يتكرر بلا توقف.
هي الأزل في لحظة، والعمر الذي يتجدد مع كل نظرة، مع كل تنفس. في جوهرها، تتراقص الأضداد: القوة التي لا تعرف الانكسار، والضعف الذي يفتح أبواب الرحمة. هي الغيمة التي تحمل الوعد، والأمواج التي تتأرجح بين الفناء والخلاص. لا يمكن أن تُفهم إلا في ظلال هذه التناقضات. هي الحضور الغامض الذي لا يمكن القبض عليه، والعجز الذي يتحول إلى إبداع.
في جوف الليل حيث تتحطم الأوهام وتتناثر الأحلام، تظل المرأة هي القوة الخفية التي تُجدد الحياة. ليست هي من تخلق فقط، بل تخلق ما بعد الموت. في رحمها، تبدأ الرحلة، ولكنها تنتهي هناك أيضًا. هي النبع الذي يغذي ويجف في ذات اللحظة. هي اللحظة الفاصلة بين الخلق والدمار، حيث يعاد بناء الكون في كل مرة تمر فيها على الحياة.
كلما مر الزمن، كانت المرأة هي النار التي تحرق، ولكنها في ذات الوقت هي الزهراء التي تنبت من الرماد. في كل معركة، تولد وتزهر من جديد، من داخليتها يتفجر النور الذي لا يُطفأ. هي الرماد الذي يعيد تشكيل ذاته، يراكم قوتها من كل عاصفة تهب عليها، وتبقى، كالصمت الذي يخفى فيه كل الصوت.
هي الضوء الذي يعبر الظلام، لكنها في الحقيقة كالشبح، تخلق التاريخ ولا يُمكن الإمساك بها. تتنقل بين العصور، حاملةً أسرارًا خفية لأشياء لم تُكتب بعد. في عينيها، تلتقي الأزمان المتباعدة: الفجر الذي يتساقط فوق الحزن، والمساء الذي يبني الأمل. هي معركة مستمرة بين الفكر والوجود، حيث الحياة تتسارع ثم تتوقف لتسترجع أنفاسها.
لا يمكن فهم المرأة إلا إذا نُظر إليها على أنها الكون ذاته، المتسع والمحدود في آن واحد. هي الصوت الذي لا يُسمع، والأمل الذي لا يُرى، فهي العاصفة الساكنة، والموج الصامت. هي الضوضاء التي تكتمل بالصمت، والركود الذي يشتعل بالتصعيد. هي الفوضى المنظمة التي تحتوي على تناغمات غير متوقعة، أبعاد وجودية تلتقي وتتناثر في تشابك معقد.
المرأة ليست مجرد مخلوق بشري، بل هي الكلمة التي لم تكتب بعد، والفكرة التي لم تُقال. هي السر الذي يُكتشف في كل لحظة، وتظل حية كالنهر الذي يتجدد، دون أن يُغلق على نفسه. هي الرحلة الأبدية التي لا يتوقف الزمن في دروبها، تتنقل بين المدى واللامحدود، بين الواقع والخيال. هي الوجود الذي لا يقتصر على صورة معينة، بل هو تحول دائم، كما لو كانت كل لحظة تصنع مجرة جديدة في قلبها