آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

مأذون وقصة

سلمته نفسها قبل الزفاف

الشيخ محمد الصفار

قبل أكثر من عشرين عامًا كان المأذونون في إجراء عقود الزواج يعدون على أصابع اليد الواحدة في القطيف وما حولها، وكانت مأذونيتهم من القاضي، الذي لا غنى عن توقيعه وختمه ليتم العقد الرسمي، أما العقد الشرعي فيمكن إجراؤه معه أو مع غيره ممن أذن لهم بذلك.

كنت أنا وأمثالي، نذهب إلى منزل العروس برفقة العريس وأهله فنأخذ وكالتها إلى القاضي أو لأحد المأذونين من قبله كي يزوجها، ونأخذ نحن وكالة العريس كي نقبل عنه.

الفاصلة بين أخذ الوكالة وإجراء العقد، قد تكون ساعة أو يومًا أو يومين، فإن كان القاضي أو المأذون له في إجراء عقد النكاح حاضرًا ومتوفرًا تمّ العقد سريعًا، وإلا أجّل إلى اليوم الآخر أو الذي يليه.

أخبرني أحد المأذونين قائلًا: "ذات يوم اتصل بي شخص وطلب مني أن أكون وكيله في زواجه من «فلانة من الناس»، فذهبت معه إلى منزل العروس برفقة والده وإخوانه، وكان في استقبالنا والدها وإخوتها وبعض أقاربها، أخذت وكالة الزوج لنفسي، وأخذت وكالة الزوجة للقاضي، كان ذلك في تمام الساعة العاشرة والنصف من صبيحة يوم الخميس.

ولأن يوم الخميس كان يوم إجازة في ذلك الوقت، ذهبت إلى القاضي في منزله بعد صلاة العشائين «ليلة الجمعة»، فأخبرني أحد المقربين منه أنه منشغل ولن يفتح مجلسه، عدت إلى سيارتي واتصلت بالعريس لأخبره بما حصل، وأن العقد سيتأخر إلى مساء الغد، فلم يرد على اتصالي، فقد كانت رنة الجوال مختلفة، وكأن العريس خارج المملكة.

مساء يوم الجمعة قصدت القاضي وأجريت معه العقد، خرجت من عنده واتصلت بالزوج، كانت الرنة أيضًا غريبة، لكنه أجابني هذه المرة، قلت له: ”لقد اتصلت بك البارحة، واليوم عصرًا، فأجابني أنا في طريقي عائد من البحرين، فيوم غد دوام وعمل، قلت له ما شاء الله عليك قلبك بارد، منذ الأمس وأنت في البحرين!!؟“

فرد علي، نعم أنا في البحرين، فبعد أن انتهينا من العقد صباح الخميس، سافرت مع زوجتي إلى البحرين، وها نحن اليوم في طريق العودة.

يقول المأذون: ”ضربت على رأسي لما صنعه هذا الرجل، كيف سافرت معها والعقد الشرعي لم ينجز بعد؟ أنت وكلتني فقط، والزوجة وكلت القاضي، لكن القاضي لم يزوجها لك بعد، ولم أقبل أنا عنك“.

مستوحيات القصة:

1/ اعتَقَد الخاطبُ أن أخذ الوكالة تعني العقد، وحين أخبره الشيخ أن العقد سيكون جاهزًا مساء، اعتَقَد أن العقد الشرعي قد تم، وأن ما يتحدث عنه الشيخ هو العقد القانوني «الرسمي».

2/ على المأذون أن يوضّح بشكل لا لبس فيه أن ما حصل ليس عقدًا، كأن يقول له: نحن أخذنا الوكالة الآن، والمرأة لا تزال أجنبية عنك إلى أن أخبرك أن العقد قد حصل، فالمعلومة التي هي مُسَلّمة في أذهاننا، وبديهية عندنا، قد لا تكون كذلك عند الطرف المقابل.

3/ ليس في القصة التي نقلها لي صديقي المأذون، أنه حصل بين العريسين لقاء جنسي، لكن الخلوة بهذا الشكل والعروسان في مقتبل العمر، وحماوة الشباب قد توصل إلى ذلك.

4/ حتى لو حصل العقد الشرعي والقانوني فنصيحتي للزوجين أن لا يستعجلا في العلاقة الجنسية التامة بينهما، فقد واجهتنا حالات سأختصر تفصيلها للتأمل:

أ/ يحصل العقد فتسلم المرأة نفسها في وقت قياسي، قد لا يتجاوز الشهر الواحد، فتخسر بكارتها ثم يؤول الأمر - أحيانًا - إلى الطلاق قبل الزفاف، وهذا يسبب لها حرجًا أسريًا بينها وبين والديها وبينهم جميعًا وبين من علموا أو اطلعوا على الأمر.

ب/ أن تسلمه نفسها بعد أيام من العقد ويحصل الحمل، فيسرع الزوجان إلى تقريب موعد الزواج بشكل ملفت وخارج عن السياق المتعارف عليه بين الناس، فيقعان في حرج يسبب لهما ولأسرهما الكثير من الوجل.

ج/ أن تسلمه نفسها في مدة سريعة وقياسية، ثم يبدو للزوج أن يطلقها وتكون حاملًا، وهذه من أصعب الحالات، فتتعب الزوجة وتتدمر نفسيتها.

5/ لا غنى للعروس - في فترة العقد وقبل الزفاف - من توجيهات الأهل المباشرة والصريحة كي تعبر هذه الفترة بنجاح ودون خسائر، كما لا غنى لأهل العريس أن يرشدوا ابنهم لبعض الضوابط الاجتماعية والعرفية والشرعية.

فائدة:

يشير آية الله السيد السيستاني لهذا الأمر قائلًا: ”لا يجب التمكين بناء على الشرط الارتكازي المأخوذ في العقد على أن يكون التمكين والتبعية بعد الزفاف“ انظر تطبيق جامع الأحكام لسماحة الشيخ على الناصر.

ويشير إلى نفس الرأي سماحة الشيخ عادل آل جوهر في جامع الاستفتاءات الشرعية فيورد استفتاء لآية الله السيد صادق الشيرازي «لا يجب عليها التمكين قبل الزفاف».

والمقصود بالتمكين هو أن تمكنه وتتيح له ممارسة العلاقة الجنسية بشكل كامل.

لا يفتي الفقهاء كما لاحظنا بحرمة أن تمكنه من الجماع الكامل، لكنهم يقولون لا يجب عليها ذلك، ملاحظة للعرف القائم، الذي يعبرون عنه بالشرط الارتكازي، كما أن آية الله الشيخ الوحيد وآية الله السيد الخامنائي يريان جواز التمكين حتى في فترة العقد، لكنهما لا يقولان بوجوب أن تمكنه من نفسها.