آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

هل ستستمر الصين بسياسة البيع بأقل الأسعار؟

أمين محمد الصفار *

هل أكلت؟

نقلا عن أحدهم، هذه هي الترجمة الحرفية للتحية التي يحيي بها الصينيون بعضهم البعض، أما حاليًا فالمعنى الحقيقي لها حسب تعبيرنا هو؛ كيف الحال؟

لأكثر من ثلاثة آلاف سنة عانت ممالك الصين القديمة من الظلم الذي أنتج الحروب والجوع والطغيان، فأصبح هذا الثلاثي - رغم من بعض الاستثناءات - هو أدق وصف لحال السكان في معظم المراحل التاريخية للصين، وهذه التحية التي بدأنا بها ما هي إلا أثر يسير مما وصل من ذلك التاريخ إلى العصر الحاضر الذي ترغد فيه الصين الحالية، هي في عصر لم تعش مثله سابقا في أي من مراحل تاريخها الطويل.

لا أود التوقف عند هذه التحية أو ما يماثلها، كي لا تصبح هذه الإشارة السريعة مضللة، لأن مجرد الإطالة فيها يعتبر نوعًا من أنواع التضليل والتعمية، فالعصر الحالي للصين لا تعبر عنه الصورة التاريخية القديمة بأي حال من الأحوال.

في الصين يكرر التجار القول أن سلعهم تمتاز بمختلف المستويات من الجودة، فكل تاجر يختار مستوى الجودة للسلع التي يريد، فكما هناك السلع ذات الجودة المنخفضة، هناك أيضا سلع تمتاز بالجودة العالية. والصحيح أيضا أن هناك مستويات مختلفة من أساليب الصناعة والإنتاج، فقد شاهدت عددًا من أساليب الإنتاج البسيطة عديمة التقنية تقوم بها عائلة واحدة تشكل مجتمعة قطاعًا إنتاجيًا عائليًا، وهناك أساليب إنتاجية لنفس السلعة بأساليب عالية التقنية تقوم به شركات ذات رأس مال ضخم. فالمرونة في القطاعات الإنتاجية عالية تستجيب مع عوامل السوق.

إن التعداد السكاني الكبير في الصين هو عامل رئيس ساعد على نجاح سياسة الإنتاج الكبير Mass Production التي تمكن الشركات من تحقيق عوائد مجزية من هوامش ربحية بسيطة، ويمكننا أن نضيف إلى هذا العامل وجود عنصر التقنية المهم في عالم الصناعة والخدمات، وكذلك عنصر الرؤية التي طبقتها الصين لتكون هي مصنع العالم الذي يصنع للعالم كل ما يريده وحسب تفضيلاته وبالأسعار المنافسة.

لقد تمكنت الصين وعبر سياسات مرحلية مختلفة من استغلال إمكانياتها لتحقيق رؤيتها، وهذا ما يجعلها ترسم لها تحديات وأهداف أخرى أكثر طموحًا وأعمق تأثيرًا على مستوى العالم.

لعل الأجواء الصاخبة حاليًا التي أحدثها إطلاق الصين برنامجها للذكاء الاصطناعي Deep-seek بنسختيه V3 وR1، وكذلك تطبيق Qwen لا تسمح بطرح السؤال الذي عنونا به المقال، بذريعة أن ما أحدثته هذه البرامج جعل مثل هذا التساؤل قد تجاوزه الزمن، لكني أرى أن السؤال ما زال صالحًا للطرح رغم الزوبعة الحالية التي نؤمن في كثير من تفاصيلها أنها في غاية الأهمية، ولا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها. لذلك نحن بحاجة لوضع إجابات، وليس إجابة واحدة لهذا السؤال كي يسهل علينا بعدها التعاطي مع موضوع الذكاء الاصطناعي الصيني، والذي يشمله أيضا نفس السؤال أعلاه.