آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 12:28 م

ثقافة الاعتذار.. ضعف أم قوَّة؟

هاشم الصاخن *

أنا أعتذر له؟

مستحيل!

هل أصبح الاعتذار من بقايا الماضي؟

هل يمكننا أن نقول: كانوا في السابق يعتذرون سريعًا لأنهم يدركون أخطاءهم؟

أم أن الاعتذار فقد مكانته في مجتمعاتنا الحديثة، حتى بات يُنظر إليه كتصرف غير ضروري؟

كثيرون، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات، يتجنبون الاعتذار، ليس لأنَّهم لم يخطئوا؛ ولكن لأنهم يرونه ضعفًا وانتقاصًا من قيمتهم أمام الآخرين.

كم من خلافٍ يبدأ صغيرًا بين زوج وزوجته، أو بين الإخوة، أو حتَّى بين العوائل بعضها مع بعض، لكنه سرعان ما يكبر ويتحول إلى قطيعة قد تمتد لسنوات طويلة، بل لعقود وأجيال متعاقبة! وعلى الرغم من تدخل العقلاء، سواء من داخل أطراف الخلاف أو من خارجه، إلا أنَّ الصراعات تتعقد أكثر فأكثر، حتَّى تصبح أشبه بـ ”خلافات مزمنة“ لا تُحل بسهولة.

في هذه اللحظات، هل يفكر أحد في الاعتذار؟

في معظم الأحيان، تكون الإجابة: لا، وألف لا.

كيف أعتذر وأنا أشعر أنَّ الاعتذار سيقلل من شأني؟

كيف أتنازل، وأنا أراه ضعفًا وخضوعًا للطرف الآخر؟

وهكذا، بدلًا من أن يكون الاعتذار جسرًا لإصلاح العلاقات، يتحول إلى خيار مستبعد تمامًا، وكأنَّ الكبرياء يمنعنا من مجرد التفكير في الاعتراف بالخطأ.

لكن، هل الاعتذار ضعف حقًا؟

أم أنه علامة على النضج والوعي؟

هل نحن، رجالًا ونساءً، أفرادًا ومجتمعات، نخشى الاعتذار خوفًا من أن نظهر في موقف ضعيف؟

أم أن المشكلة تكمن في فهمنا الخاطئ لمعناه الحقيقي؟

بين من يرى الاعتذار فضيلةً إنسانية، ومن يعتبره انتقاصًا من الكرامة، تظل ثقافة الاعتذار مثار جدل بين من يراها قوة، ومن يراها استسلامًا.

لكن متى يكون الاعتذار قراري أنا، وليس قرار الطرف الآخر؟

الحقيقة أنَّ الاعتذار واجب في اللحظة التي أدرك فيها أنني أخطأت، أو عندما أجد أن علاقتي بالطرف الآخر أهم من الدخول في جدال عقيم لإثبات من المخطئ. أحيانًا، لا يكون الاعتذار مجرد تصحيح لخطأ، بل خطوة لإنهاء خلاف لا يستحق أن يدمر علاقة عزيزة على قلبي.

وماذا لو كان الطرف الآخر هو المخطئ؟

هل يمكنني تصفية الأجواء وجعله يبادر بالاعتذار؟

في بعض الحالات، يكون الحل في التمهيد للحوار بدلًا من الجلوس وانتظار الاعتذار بشكل مباشر، ولا يعني ذلك أن أتنازل عن حقي، ولكن في كثير من الأحيان، يكفي أن أفتح بابًا للنقاش، مما يدفع الطرف الآخر إلى إعادة التفكير في موقفه، وربما الاعتذار بشكل تلقائي، دون أن يشعر بأنه مجبر على ذلك.

إنَّ قبول الاعتذار لا يعني التغاضي عن الخطأ أو نسيانه على الفور، لكنه يعكس رغبة في إعطاء العلاقة فرصة جديدة؛ فالاعتذار الحقيقي ليس مجرد كلمات، بل يجب أن ينبع من إدراك المخطئ لحجم خطئه، مع استعداد واضح لتغيير السلوك؛ بل الاعتذار بلا تغيير ليس سوى تكرار للأخطاء في ثوب جديد.

في النهاية، الاعتذار ليس ضعفًا، بل ثقافة نحتاج إلى تعزيزها في المجتمع، وحين نربي أبناءنا على أن الاعتذار ليس إهانة بل شجاعة، وحين يصبح الاعتذار سلوكًا طبيعيًا بين الأزواج، والأصدقاء، والزملاء؛ سنجد أنفسنا نعيش في بيئة أكثر تسامحًا ونضجًا. حينها فقط، لن يخجل الإنسان من قول ”أنا آسف“، ولن يتردد في الاعتراف بخطئه، لأنه يدرك أن القوة الحقيقية تكمن في تصحيح الخطأ، لا في التمسك به.

سيهات