وتهاوى الشيطان في محراب الصلاة
ورد عن الإمام المهدي : فما أرغم أنف الشيطان بشيء مثل الصلاة، فصلها وأرغم أنف الشيطان» «بحار الأنوار ج 80 ص 146».
تمثل الصلاة الدرع الحصين والمركزية الروحية التي يتغذّى منها المؤمن معاني الطمأنينة والاستقامة ونزاهة النفس من أدران الشهوات، فهذه القوة الروحية عنده تقف حاجزا منيعا أمام إغراءات الشيطان الرجيم وتزيينه لارتكاب الآثام، فالقلب يخوض فيه جنود الشيطان معركة وصراعا لإضعاف قواه الإيمانية، فتأتي الصلاة كعامل قوة وثبات في هذه المواجهة وتجنب المعاصي، ومع الاستمرار بأداء الصلاة تتسع مساحة الهدوء والسكينة النفسية والقوة في مواجهة الإغواء الشيطاني، ولهذا ترسم الصلاة معالم الشخصية والقيم التي يحملها وتلقي بظلالها على علاقاته التي يحترم فيها الآخر ويجرّم الاعتداء على حقوق الغير.
فالشيطان الرجيم يسعى إلى خلخلة المنظومة الفكرية عند الفرد ويشغله بالتفكير في الأمور الدنيوية والمادية، فتشتيت الذهن وإبعاد العقل عن المحاسبة والالتفات إلى موارد الزلل والتقصير هو ما يعمل عليه الشيطان جاهدا لتحقيقه، حتى يسلبه المسحة الروحية التي يكتسبها من علاقته بربه والوقوف بين يديه تعالى، وبالتأكيد أن الصلاة التي تحجز الإغراءات الشيطانية ليست تلك الهيئة الخاوية والعادة التي يردد فيها الأذكار والأفعال وقلبه غافل، بل تلك الصلاة الخاشعة التي يستحضر فيها الوقوف بين يدي الخالق العظيم، والتي يستعد بها للقاء الله تعالى والحساب على ما قدّمه من أعمال، وهذا ما يصيب جنود الشيطان بالضعف ويسجل المؤمن بذلك انتصارا في تلك الجولة والمحطة عليه.
الشيطان الرجيم يدرك جيدا أهمية الصلاة في علاقة العبد بربه والتقرب منه، فالصلاة تعد زادا روحيا يكتسب من خلالها المؤمن معاني السكينة ونزاهة النفس والخوف من الله تعالى، ولذا يعمل بكل قواه على تفريغ الصلاة من مضامينها وقيمها وتحويلها إلى مجرد عادة لا تأثير فيها على النفس والفكر، وإذا ما توجه المصلي بكل إخلاص ستتقوى عنده قوى الممانعة عن ارتكاب المعاصي والمحاذرة من الوقوع في الخطايا، ومن أساليب المكر الشيطاني هو التكاسل عن أدائها في وقتها وبقائها في ذيل قائمة اهتماماته، فالمؤمن كورقة الشجرة في مهب الريح إن خليت نفسه من مضامين الصلاة الروحية والنفسية، كما أن الصلاة تفتح بصيرة المؤمن أمام الحقائق ومنها حقيقة الدنيا الزائلة، وأنها لا قيمة لها أمام الدار الآخرة ونعيمها والسعي لتسجيل الأعمال الصالحة وأفعال الخير والمعروف في صحيفة أعماله.
كما أن الصلاة والوقوف بين يدي الخالق العظيم تخلق النفس المتواضعة والخلو من التكبر والغرور، فالصلاة دورة تدريبية تصنع النفس ذات الصبر وتحمل الصعاب والثقة بالله تعالى، فعندما تتراكم الهموم والمشكلات لن يكون لها حل وعلاج كالصلاة يعيد له توازنه الفكري والوجداني، حيث يستشعر ضآلة حجم المشكلة أو الصعوبة التي يمر بها أمام قدرة من يقف بين يديه ويثق في تدبيره للأمور.
كما أن الصلاة محطة توقف ومحاسبة ونظر في الأفعال للوقوف على الخطأ منها، فينطلق في ميدان التوبة والرجوع إلى الله تعالى كأدب من آداب الصلاة قبل الدخول فيها فيجدد عهده بالله عز وجل، كما أن تلك الضغوط المتراكمة على النفس وتسبب استفزازا للمشاعر وتشتتا للذهن، تبقى الصلاة واحة الراحة النفسية والتنفيس عن تلك الضغوط من خلال المناجاة والأدعية، فالشعور بالقلق من المستقبل ومجريات الأمور من الخيوط التي يحركها الشيطان ويتلاعب في النفس بها فتهدأ النفس بالاتصال بالله تعالى.