الخجل من المجتمع يمنع الشفاء من الأمراض النفسية
هل الخجل أقوى من الألم؟
في مجتمعاتنا الشرقية، يخشى الكثيرون الاعتراف بمعاناتهم النفسية، خوفًا من نظرة المجتمع القاسية. يصبح المرض النفسي سجناً صامتاً، حيث يمنعهم الخجل من طلب العلاج. لكن ما لا يعرفه البعض أن هذه المخاوف قد تحول مشكلات بسيطة إلى معاناة طويلة تؤثر على حياة المريض بشكل جذري. علينا كأفراد ومجتمع أن نكسر هذا الحاجز، وندرك أن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان.
الأمراض النفسية مثل الاكتئاب، القلق، الاضطراب ثنائي القطب، والفصام ليست علامة على ضعف الشخصية، بل هي حالات طبية تستدعي تدخلًا متخصصًا. إهمالها أو الخجل من معالجتها قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض وصعوبة السيطرة عليها لاحقًا. ومن أبرز هذه الحالات الاكتئاب الذي يتمثل في شعور دائم بالحزن واليأس يؤثر على الحياة اليومية، والقلق الذي يصاحبه توتر مفرط وخوف من المواقف الحياتية، والاضطراب ثنائي القطب الذي يتسبب في تقلبات حادة بين النشاط المفرط والحزن الشديد، بالإضافة إلى إدمان الألعاب الإلكترونية الذي يعد ظاهرة متزايدة بين الشباب ويؤدي إلى العزلة الاجتماعية وضعف الأداء الدراسي أو الوظيفي.
في السعودية، تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 34% من السعوديين تعرضوا للإصابة بأحد الاضطرابات النفسية في مرحلة ما من حياتهم، مع انتشار أكبر لهذه الحالات بين فئة الشباب. ومع ذلك، يسعى 13% فقط منهم لتلقي العلاج بينما يمتنع الآخرون بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية. أكثر الاضطرابات شيوعًا تشمل اضطرابات القلق والاكتئاب واضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة، وتؤكد هذه الأرقام أهمية نشر التوعية وتشجيع المصابين على اللجوء إلى المختصين دون تردد.
نظرة المجتمع السلبية للأمراض النفسية تجعل المريض يتردد في طلب العلاج، وتساهم في تفاقم حالته. يصف المجتمع المرضى النفسيين بألفاظ جارحة مثل“مجنون”أو“ضعيف”، ويتم تجاهل أعراضهم واعتبارها مبالغة أو مجرد حالة مؤقتة، مما يدفع الكثيرين إلى كتمان معاناتهم خوفًا من التعرض للانتقاد أو الرفض. لا بد من نشر الوعي والتوقف عن هذه الممارسات، فالمجتمع الداعم قادر على إحداث تغيير إيجابي في حياة المرضى.
للتغلب على هذا التحدي، علينا أن نبدأ بنشر التوعية الصحيحة حول الصحة النفسية من خلال حملات تثقيفية تشرح طبيعة الأمراض النفسية وتصحح المفاهيم الخاطئة. دور الإعلام حاسم في تسليط الضوء على قصص الشفاء الناجحة وتشجيع المصابين على طلب العلاج، بالإضافة إلى أهمية دعم الأسرة والأصدقاء، حيث يشكل الدعم العاطفي ركيزة أساسية في مساعدة المرضى على التعافي والعودة إلى حياتهم الطبيعية.
العلاج المبكر يساعد في تقليل معاناة المرضى ويزيد من فرص الشفاء. هناك عدة طرق فعالة للعلاج، أبرزها العلاج السلوكي المعرفي الذي يساعد المرضى على تعديل أفكارهم السلبية، والعلاج الدوائي الذي يخفف الأعراض الحادة، والدعم الاجتماعي من الأسرة والأصدقاء الذي يسرّع من عملية التعافي.
الأمراض النفسية ليست عيبًا، وطلب المساعدة ليس أمرًا مخجلًا. كسر حاجز الصمت هو أول خطوة نحو الشفاء. يجب أن نعمل معًا كأفراد ومجتمع لدعم المرضى وتشجيعهم على العلاج دون خوف أو خجل، لأن الصحة النفسية أساس حياة سعيدة ومستقرة.