آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

تقاعس وضعف همة

حكيمة آل نصيف

ورد في دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد : «و لا تبتلني بالكسل عن عبادتك».

إن هذا المقطع من الدعاء الشريف يشير إلى يقظة روحية عند الداعي تنبّهه إلى مخاطر الإعراض عن ذكر الله تعالى ومحراب العبادة بسبب مجموعة من العوامل الهدّامة المؤدية إلى ذلك، فالتزام طريق الهداية والعمل بالفرائض ليس معناه نهاية الطريق والحصول على الضمان بالوصول إلى ساحل النجاة، فإن الشيطان الرجيم لا ييأس من حصول حالة الانحراف وتنكّب الطريق والرجوع إلى الوراء إذا أوقع الإنسان في حفر مكره التي يصطاد بها، وقد لا يكون الانحراف عن الحق والهداية تاما بالتخلي عن العبادات وترك أدائها وإنما للشيطان مسارب أخرى يوقع فيها المرء، وذلك أن الدعوة الشيطانية للتخلي عن عبادة الرحمن ليست بالمطلب للسهل بعد أن انخرط العبد في التوجه إلى الله تعالى والوقوف بين يديه لفترات معينة، وإنما يأخذ به إلى نفق مظلم آخر وهو التراخي في أداء العبادة وضعف الهمة وسلب الدافع القوي من نفسه المفعمة بالخشية من الله تعالى.

وليس المقصود بطلب النجاة من الابتلاء بداء الكسل عن العبادة هو مجرد لقلقة لسان دون التفات إلى معناه والسبل المؤدية إليه، بل هو طلب العناية والحفظ الإلهي من الوقوع في هذا الزلل وهو التعاجز عن العبادة، وبلا شك أن وضع لقاء الله تعالى والوقوف بين يديه في محراب الطاعة في رأس وقمة الأولويات والاهتمامات، يدفع عن المرء تسلل الخيبة والتراخي ويعطيه قوة في ميدان العمل الجاد، ويساعده على تجاوز أي مشكلة يمكن أن تواجهه وتبعده عن الانصراف عن الاتصال بالخالق، فمن الآفات التي تصيب همة الإنسان بالتعاجز والتراخي هو حالة التسويف وتأجيل ملف الواجبات لوقت آخر دونما سبب مستحق، وهكذا حتى تتراكم عليه الوظائف والمستحقات حتى تضعف همته أمامها، فإن مجرد الأداء العبادي لأي شكل أو لون كالصلاة والدعاء وعمل الخير وصنع المعروف ما هو إلا البداية، وينبغي عليه الحفاظ على هذا المستوى من المحافظة والاستمرار، والالتفات من التعلق بمشاغل الدنيا التي تشتت الذهن والعقل عن التعلق بمضامين العبادة وأبعادها كالطمأنينة.

من أهم العوامل الهدامة المؤدية إلى التراخي في العبادات هو ارتكاب الذنوب وتراكمها على القلب، حيث تتولّع النفس بالمغريات والتزيين الشيطاني والأخذ الخفي نحو ارتكاب الخطايا والانغماس في وحلها، وهنا يدعو المؤمن ربه لحفظه من الوقوع في المعاصي وذلك من خلال تحمل المسئولية والنظر في عواقب الأمور وآثارها الوخيمة عليه.

النشاط والحيوية في ميدان العبادة والطاعة والتفاعل مع مضامينها هدف كبير يضعه الداعي نصب عينيه، ويتعاهد أبعاده وكيفية الحفاظ عليه وتجنب الموارد التي تسلبه هذا التوفيق وتصيبه بالفتور وضعف الهمة، كما أن مضامين العبادة كالإخلاص والخشوع وتواضع النفس واليقظة الروحية تجاه ارتكاب المعاصي من المطالب التي تحتاج إلى ثبات واستمرارية يهتم به المؤمن.