آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 4:46 م

النفايات الإلكترونية: بين الفائدة والضرر

عبد الجليل الحايك *

حسب الإحصائيات العالمية تُتصدر النفايات الإلكترونية كأسرع أنواع النفايات نمواً في العالم، حيث تشمل الأجهزة الإلكترونية التي انتهى عمرها الافتراضي، أو أصبحت غير صالحة للاستخدام، مثل الهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر، والتلفزيونات، والثلاجات، وغيرها. مع التطور التكنولوجي السريع، أصبحت دورة حياة الأجهزة الإلكترونية أقصر، مما أدى إلى زيادة كميات النفايات الإلكترونية بشكل كبير. تُشير التقديرات إلى أن العالم ينتج أكثر من 50 مليون طن من النفايات الإلكترونية سنوياً، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في العقود القادمة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فعالة لإدارتها ولكن ونضع خط تحت كلمة ولكن.

خلال الندوة التي أقيمت قبل أيام في وزارة البيئة بالمنطقة الشرقية تحت عنوان ”التوعية بالنفايات الإلكترونية“ حيث شارك فيها بعض الجهات الغير ربحية وجهات ذات علاقة بشأن البيئي تم طرح تساؤل لماذا لا يتحول موضوع النفايات الإلكترونية من عبئ وخطر يهدد البيئة إلى فائدة ومورد اقتصادي!!!

على الرغم من أن النفايات الإلكترونية تُعتبر مشكلة بيئية وصحية كبيرة، إلا أنها تحتوي على العديد من الموارد القيمة التي يمكن استعادتها وإعادة استخدامها، ومن أبرز تلك الفوائد التي يمكن تحقيقها من إعادة التدوير استعادة المعادن الثمينة التي تدخل في تركيب تلك النفايات الإلكترونية من معادن ثمينة مثل الذهب، والفضة، والنحاس، والبلاتين. يمكن استخراج هذه المعادن من خلال عمليات إعادة التدوير، مما يوفر مصدراً بديلاً للموارد الطبيعية، ويقلل من الحاجة إلى التعدين، الذي يُعد عملية مكلفة وضارة بالبيئة.

كما يمكن أن تساهم صناعة إعادة تدوير النفايات الإلكترونية في خلق فرص عمل جديدة، خاصة في مجال جمع النفايات، وفصل المكونات، وإعادة التصنيع. هذا يمكن أن يُسهم في تحسين الاقتصاد المحلي وتوفير دخل للأفراد والأهم من ذلك تقليل التلوث البيئي عندما يتم التخلص من النفايات الإلكترونية بشكل غير صحيح، فإنها تطلق مواد سامة مثل الرصاص، والزئبق، والكادميوم في البيئة. إعادة التدوير الصحيحة يمكن أن تقلل من هذه الانبعاثات الضارة، وتحمي التربة والمياه من التلوث كما أن عمليات إعادة تدوير النفايات الإلكترونية تشجع على تطوير تقنيات جديدة لاستخراج المواد المفيدة ومعالجتها. هذا يمكن أن يؤدي إلى ابتكارات في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وتصنيع الإلكترونيات، وحتى الطب كما تجنب العالم غالبية الأضرار الناتجة عن النفايات الإلكترونية على البيئة وصحة الإنسان منها على سبيل المثال لا الحصر.

التلوث البيئي: تحتوي النفايات الإلكترونية على مواد سامة مثل الرصاص، والزئبق، والكادميوم، والتي يمكن أن تتسرب إلى التربة والمياه الجوفية إذا لم يتم التخلص منها بشكل صحيح. هذا التلوث يمكن أن يؤثر على الحياة البرية ويُسبب تدهور النظم البيئية.

ولا نهمل المخاطر الصحية للعمال الذين يعملون في جمع وفصل النفايات الإلكترونية غالباً ما يتعرضون لمواد كيميائية سامة دون حماية كافية. هذا يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة مثل التسمم بالمعادن الثقيلة، وأمراض الجهاز التنفسي، وحتى السرطان.

بالإضافة للخسائر الاقتصادية من خلال استنزاف الموارد الطبيعية إذا لم يتم إعادة تدوير النفايات الإلكترونية، فإن الحاجة إلى استخراج المعادن من الخامات الطبيعية ستزداد، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية وتدمير البيئة بسبب عمليات التعدين.

السؤال الذي يحتاج التفكير قبل البحث عن إجابة هو «كيفية تحقيق التوازن بين الفائدة والضرر؟»

لتحقيق أقصى استفادة من النفايات الإلكترونية مع تقليل الأضرار الناتجة عنها، يجب اتباع نهج متكامل يشمل:

أولا: التشريعات الصارمة حيث يجب على الحكومات وضع قوانين صارمة لإدارة النفايات الإلكترونية، بما في ذلك فرض رسوم على المنتجات الإلكترونية لتمويل برامج إعادة التدوير، وتشجيع الشركات على تصميم منتجات قابلة لإعادة التدوير.

ثانيا: زيادة الوعي العام حيث يجب توعية الجمهور بأهمية إعادة تدوير النفايات الإلكترونية والمخاطر الناتجة عن التخلص غير الصحيح منها. يمكن أن يتم ذلك من خلال حملات توعية وإشراك المدارس والجامعات في برامج التثقيف البيئي.

ثالثا تحسين تقنيات إعادة التدوير بتطوير تقنيات أكثر كفاءة لاستخراج المواد المفيدة من النفايات الإلكترونية، مع تقليل الانبعاثات الضارة.

رابعا تشجيع الاقتصاد الدائري حيث يتم إعادة استخدام المواد وإعادة تدويرها بدلاً من التخلص منها. هذا يمكن أن يُسهم في تقليل النفايات والحفاظ على الموارد.

أخيرا تعزيز التعاون الدولي لمعالجة مشكلة النفايات الإلكترونية، خاصة في البلدان النامية التي غالباً ما تكون وجهة للتخلص غير القانوني من هذه النفايات الإلكترونية التي تُشكل تحدياً كبيراً للبيئة وصحة الإنسان، ولكنها أيضاً تمثل فرصة لاستعادة الموارد القيمة وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية.

ومن خلال إدارة سليمة وتعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع، يمكن تحويل هذه النفايات من عبء إلى مورد، مع تقليل الأضرار الناتجة عنها. تحقيق هذا التوازن يتطلب جهوداً مشتركة ووعياً بأهمية إعادة التدوير كجزء من الحلول المستدامة لمشكلة النفايات الإلكترونية