آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 1:45 م

متى نتعلّم من تجاربنا؟!‎

سعيد الميداني

أستغرب عندما ينتقد أحدهم المجتمع الشرقي واصفًا إياه: بأنهم شعوب لا تتعلم من تجاربها السابقة خصوصا التجارب الخانقة التي تُكبّد أهلها الخسائر والمزيد من الأضرار، مستشهدًا بالآية الكريمة ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف: آية 38] وعلى خلفية هذه النظرة أعود بذاكرتي إلى أحداث جائحة الكورونا COVID-19 التي اجتاحت العالم قبل بضع سنين وما خلّفته من خسائر بشرية واقتصادية، وتعطلت على أثرها بعض خصائص وأنشطة الحياة اليومية جعلت الناس تلزم بيوتها، وتتبع الاحترازات الطبية خوفًا من انتقال العدوى والإصابة بالمرض، طبعًا هذه الأزمة مثل غيرها من الأزمات دفعت بقادة الدول إلى التحرك على قدم وساق والاجتماع مع مؤسسات الدولة لوضع الخطط اللازمة لتقويض هذا الفيروس والحد من تفاقم خطره وبالفعل انحسر وتمّ السيطرة على الوضع، وعادت الحياة إلى وضعها الطبيعي، ولكن ما زالت السيدة حليمة «المجتمع» تمارس إهمالها ولم تتوقف عن عادتها القديمة.

العاقل الحصيف لا يرضى أن تلدغه العقرب مرتين إن أراد النجاة بعمره، ولكن ما يحدث حاليًا على أرض الواقع يقول غير ذلك فالفرد يرى نفسه جزءاً من منظومة جماعية لا يستطيع أن ينفصل عنها فنسق الحياة يجعله ينخرط ويتماهى مع أي نشاط اجتماعي؛ ولذلك تصبح الاستفادة من تجارب الماضي أمرًا لا يتماشى مع المزاج العام، وتبقى أحداث الماضي مجرّد سحابة صيف وحكاية شيّقة تتسلى بها الأجيال ثم توضع على أرفف المكتبة للحفظ والنسيان.

حضرت ذات مساء أحد الأعراس وهالني منظر تلك الأعداد الكبيرة التي ملأت كل شبر من مساحة قاعة التبريكات ودُهشت أيضًا من ذلك العناق الساخن، وتلك القبلات الحارة المتبادلة ما بين الحضور، وتذكرت في الأثناء جائحة الكورونا وما صاحبها من أحداث درامية جعلتنا نتخلّى قهرًا عن بعض عاداتنا الخاطئة، ولكن الآن وفي ظل ما يمارسه أفراد المجتمع في كثير من المحافل والفعاليات تأكد لي إننا فعلًا أمة لا تتعلم من تجاربها، رغم الأخبار المبثوثة من بعض القنوات الإعلامية المحلية والعالمية، والتي تشير وتحذّر بأن الخطر ما زال يلوح في الأفق، ومن المحتمل أن يعود الفيروس مرة أخرى بشكل متحوّر قد يعيدنا من جديد إلى المربع الأول.

يقول الشافعي رحمه الله: ”جزى الله الشدائد كل خير أنها عرفتني صديقي من عدوّي“، هنا الشدائد رئيسي واختبار يكشف لنا النافع والضار والجيد والسيئ، فلا خير في الإنسان إذا لم يتعلم من تجاربه كما لا خير في أي مجتمع يدخل ويخرج من أزماته، دون أن يتعلم منها الدروس، فمعظم الدول المتقدمة التي نراها على خارطة العالم ما وصلت إلى ما وصلت إليه من القوة والمكانة العالمية لو لم تتعلم من تجاربها وماضيها وهناك قاعدة مهمّة جدًا تقول «إذا لم يكن لك ماضي وتجربة قديمة تستفيد من إرهاصاتها وتداعياتها لن تتقدم خطوة واحدة ولن يكون لك حضور في المستقبل ولن تجد لك مقعدًا بين الكبار».