آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 1:45 م

الرحلة إلى ”بوسان“

جلال عبد الناصر *

في الدقائق الأخيرة من الحلقة الأولى لمسلسل كوري تظهر ”كيم يو“ وهي تجلس على الكرسي المصنوع من السعف والمركون في إحدى زوايا المطبخ، تظهر صامتة ومحطمة الملامح، لتأخذ نفسًا عميقًا وكأنه سيغمى عليها. إلّا أنها تستدير بهدوء وتحدّق عبر النافذة لتلمح زوجها وهو يستقبل صديقه برحابة صدر ووجه بشوش. وهنا تظهر على ملامحها حسرة، فذلك الاستقبال والرحابة لم تعد تشاهدهما في منزلها.

كثيرًا ما نسمع بمصطلح ”البرود العاطفي“، ومن لا يعرف معناه فهو أشبه بمزارع قد أوكلت إليه مهمة ري الشجر. ولكنّ ذلك المزارع لا يملك ماءً أو أنه يملكه إلا أنه يروي به حقولًا أخرى، فيذبل شجره ويموت بمرور الوقت.

أما من الناحية العلمية فقد أشارت إحدى الدراسات في مجلة علمية للبحوث التربوية إلى أنّ البرود العاطفي ”هو حالة من تسلل الملل والتراخي العاطفي، وجفاف المشاعر في العلاقة الزوجية“. وهذا ما حدث لـ ”كيم يو“ فقد تسلل لها الملل وشعرت بفقدان متعة الحياة الزوجية التي تقوم أساسًا على أساس التبادل العاطفي وتلبية الحاجات النفسية والجسدية.

فزوجها ”سونغ كام“ كان يعتقد أنّ قدر الإشباع الذي يحصل عليه من قبلها هو نفس القدر التي تحتاجه. بالرغم من أنها تحدثت معه بشكل صريح ومباشر بحاجتها لأن يشبع عاطفتها. إلّا أنه دائمًا لا يطبق الإرشادات من غير أن يشعر بمدى أهميتها في خلق السعادة عليها. فمشاهدتها له وهو يعانق صديقه وهو يبتسم كان أشبه بصعقة كهربائية بالنسبة لها. فكم احتاجت لأن تشاهد شكل الحب على ملامحه وفي حركة يده. لقد سئمت الحب الذي اقتصر على تكرار الكلمات القديمة والمملة خصوصًا تلك التي يرسلها لها عبر الجوال.

في دراسة أجرتها 2012 - Ogechi Mary أكدت بأنه كلما كان هناك ”تواصل فعال“ بين الزوجين، كان هناك استقرار أكثر بينهم. والتواصل الفعال هنا لا يأتي إلّا عن طريق فهم حاجة الطرف الآخر، سواء العاطفية أو الحياتية أو الجنسية. وحالة عدم الاستقرار تعني وجود أزمة. التي ظهرت أعراضها على ”كيم يو“ في مختلف جوانب حياتها في الحلقات الأولى من المسلسل وذلك قبل أن تتعرف على زميلها في العمل.

فقد كانت تشعر بأنّ الطموحات المشتركة مع زوجها لم تعد موجودة. كذلك شعرت بالإحباط، فزوجها لا يمنحها الجانب العاطفي إلّا أظهرت رغبتها الملحة في ذلك. وكثيرًا ما كانت تشعر بالرغبة بالقيام بأعمال المنزل بمفردها على عكس ما نشأوا عليه. ولم تعد تهتم لأحاديثه، سواء تلك التي يتحدث فيها عن عمله أو دراسته.

لقد أدركت ”كيم يو“ قبل أن يمضي بها العمر بأنّ ”البرود العاطفي“ لدى زوجها هو السبب الذي دمر العلاقة بينهما وأفقدها الشغف. فتحول منزلها إلى بيئة لا تنبت فيها الزهور. وأصبح كل ما هو حي شاحب. وهذا ما دعاها لأن تصاحب رجلًا آخر يفيض بالعاطفة وترحل معه إلى مدينة ”بوسان“ تاركة ”سونغ كام“ يستمتع بحياة التصحر.

اختصاصي نفسي في مجمع إرادة للصحة النفسية بالدمام