آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 12:28 م

صناعة وطن

جهاد هاشم الهاشم

إن المقومات الصحيحة القويمة التي من خلالها تأسست مملكتنا المصونة، نتج عنها تحقيق مراتب عالية من النمو والازدهار حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه في وقتنا الحالي من تطور وبناء. وإذا ما أردنا الحديث عن الشواهد والدلالات الظاهرة والبينة التي يحملها ذلك العنوان أعلاه بين جنباته وما يتضمنه من معطيات كثيرة وعميقة يتوجب على جميع مكونات مجتمعنا السعودي الكريم شعبا ومسؤولين التوقف عند هذا المفهوم الشامل وبعيد الأفق للذهاب نحو رفعة وطن غالٍ يستحق منا كل التضحيات والبذل والعطاء لدولة عظيمة ضاربة جذورها في عمق تاريخ تليد وعريق.

إن جميع البلدان والحضارات العميقة والمتجذرة على مر العصور لم تتبوأ مكانة راقية وعالية من خلال ما ينظر لها بكثرة البناء والثروات وتوافر الماديات فقط بل ينظر لها بوجاهة وشموخ من خلال اهتمامها بتشييد العقول للناشئة من أبنائها وإعطائها أهمية بالغة لبني البشر باعتبار ذلك هو الجزء الأكبر والأهم في طريق التقدم والمضي قدما نحو كل ما هو ناجع ونافع تجاه الوطن والإسهام في نشاطه وانتعاشه وتطوره بشكل يليق به من سيادة ومجد وسمعة عطرة، فكلما أعددنا جيلا متعلما مثقفا واعيا حكيما ومدركا لحقائق الأمور كلما حلقنا ببلادنا إلى مرتبة العلو والنهضة الشاملة، وهذا ما توليه حكومتنا من اهتمام شامل لهذا الاتجاه، والبراهين على ذلك لا حصر لها من بنا دور العلم والثقافة كالجامعات والكليات والمعاهد العلمية لجميع التخصصات والمسارات وكذلك المدارس حتى أصبحت تلك المرافق منتشرة حول أرجاء البلاد قاطبة ناهيك عن الدعم المادي والمعنوي والتشجيع المستمر واللامحدود للدفع بذلك القطاع الحيوي لتحقيق كل الطموحات المراد تحقيقها بزهو وعزيمة واقتدار.

إن بناء الوطن هو عمل مقدس لا شك فيه، وهو مطلب يستوجب منا جميعا تكاتفا قويا محكما باعتبار أن العنصر الآدمي هو العامل الأساس في هذا البناء حيث يلعب دورا محوريا في تأسيس وإنشاء الوعي الذاتي والشخصي للفرد والمجتمع، وحمايته من الأفكار والتصرفات غير السوية والمنحرفة عن الجادة من الصواب، وما تحقق من منجزات بارزة أحدثت ثورة هائلة ومتعددة الجوانب في العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله منها العلمية والأدبية والمعرفية والاقتصادية وغيرها الكثير من خلال الرؤية الفتية والطموحة التي نادى بها سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان آل سعود - حفظه الله ورعاه - وبعدها توالت الإنجازات والمكاسب ذات القيمة الحقيقية والفاعلة في مختلف المسارات بشتى أنواعها حتى باتت مملكتنا محط الأنظار للعالم أجمع في عملية الانتعاش العصري الحديث والنماء المتسارع والمستديم.

إخوتي جميعا إن حب الوطن هو شعور كامن بداخلنا يدفع باتجاه تعلقنا بالانتماء لتلك الأرض التي هي مسقط رأسنا ومقر تربيتنا وهي الساحة التي ترعرعنا على حبات ترابها وهذا شعور فطري وطبيعي يتضاعف معنا كلما تقدمنا سنا ونمت عقولنا أكثر، ومهما بلغنا من الأيام عمرا حتى وإن تصرمت الشهور والسنون سيظل تعلقنا وصلتنا بالوطن ملازما لنا ما أحيينا وستبقى مشاعرنا جياشة ملؤها المودة والدفء والحنين تنبض شوقا وشغفا، وقد امتزجت بنسمات العشق والهوى لوطن فاقت قدسيته كل وصف وطغت عظمته كل مدح وتجاوزت روعة جماله كل مهابة وصعود.

وختاما نقول عندما يدرك المرء أن هذه المعاني الوطنية السامية هي ذروة المعروف والتفاني والتضحية والإحسان وهي مفاهيم وجدانية تنمو وتكبر شيئا فشيئا في خضم العقل الباطن لكل مواطن مخلص بار صالح نقي ونزيه، وسيجد بعدها أن انخراطه وميله واشتياقه وتفانيه يبقى عميقا لبلاده حتى وإن ذهب ورحل عنها لفترات متباينة وبعيدة فلا بديل عنه حبيبا ولا غيره خليلا فالوطن لوحة بريشة رسام أجاد فيها تناسق الألوان وأبدع في محاكاة الخيال حتى أنتج منظرا فيه أعجوبة إنسان.

ما أشبه الوطن بمقطوعة نثر نتذوق جمالها الجذاب! وقصيدة شاعر ننتقل فيها بين المقامات والبحور والمشاهد والصور! والوطن كالأم في حنانها ورقتها وشفقتها، وقصة كاتب نستقي من بين سطورها واقعا فيه سحر البيان ونستلهم منها أروع الأحداث ونسترجع أجمل الذكريات ونعيش على أرضه ونفخر بمكانته وعزه وشرفه حتى نحلق ونصل بوطننا إلى أعالي المجد والعلياء.