آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

ما الذي ينتظره الفلسطينيون بعد وقف النار؟

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

بعد حرب شنتها إسرائيل بحق قطاع غزة، وصفت من قبل كثير من المحللين السياسيين، بحرب إبادة، وافقت حكومة بنيامين نتنياهو على وقف إطلاق النار في القطاع. وقد تضمن الاتفاق المعلن، إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين من الجانبين، مع تحفظات إسرائيلية على إطلاق سراح بعض المعتقلين الفلسطينيين. وبهذا الاتفاق تبدأ مرحلة جديدة، في صيرورة الكفاح الفلسطيني، من أجل الحرية والاستقلال وتقرير المصير.

وليس من شك في أن صمود الفلسطينيين كان العامل الحاسم، في وقف إطلاق النار، لكن توقيته يحسب للضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة دونالد ترامب، التي رأت في ذلك وسيلة لإنقاذ المحتجزين الإسرائيليين، وليس الفلسطينيين، بتعبير فاقع في عنصريته.

وليس من شك، في أن هذه الحرب هي الأطول والأكثر عنفاً، في تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، منذ نكبة فلسطين عام 1948 وحتى يومنا هذا. فقد استغرقت أكثر من ستة عشر شهراً، منذ أطلقت حركة حماس، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2022، ما بات يعرف ب«طوفان الأقصى»، بعد انسداد طويل لتسوية القضية الفلسطينية.

كانت منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة الراحل ياسر عرفات، قد توصلت مع الحكومة الإسرائيلية، التي ترأسها إسحق رابين إلى اتفاق أوسلو، الذي عرف بإعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، وقد جرى التوقيع على الإعلان في العاصمة الأمريكية واشنطن، وبرعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، في 13 أيلول/ سبتمبر عام 1993. وبموجب هذا الاتفاق تم تأجيل قضيتي عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ومدينة القدس الشرقية للمفاوضات النهائية، التي اتفق المتفاوضون على تأجيلها خمس سنوات، هي الفترة الانتقالية، ليتم بعدها التوصل إلى حل نهائي، يضمن حلاً سلمياً عادلاً للقضية الفلسطينية. ورغم مرور قرابة ثلاثين عاماً على توقيع اتفاق أوسلو، فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لم تتقدم خطوة واحدة على طريق الالتزام بوعودها.

كلفت الحرب على غزة، دماراً وخراباً، وقتلاً، هي الأعلى منذ تأسيس إسرائيل، فقد تجاوز عدد الضحايا أكثر من خمسة وأربعين ألفاً، جلهم من المدنيين، من النساء والأطفال والشيوخ، يضاف إليهم أكثر من مئة ألف جريح هذا عدا المفقودين.

أما الخراب الذي ألحقته آلة التدمير الإسرائيلية، فحدث ولا حرج. فأكثر من نصف قطاع غزة، بات مدمراً، وغير صالح للسكن. وذلك لا يشمل مساكن الفلسطينيين فحسب، بل البنية التحتية للقطاع، بما فيها من ماء وكهرباء وصرف صحي، وشوارع، باتت جميعها بحاجة إلى إعادة تأسيس جديد.

وقد باتت قضية غزة، لفرط ما عانته من دمار وقتل وتخريب، قضية عالمية، طرحت بقوة في قلب أمريكا والقارة الأوروبية، وتبنتها مؤسسات إنسانية وقانونية، لعل الأبرز بينها محكمة العدل الدولية، التي صنفت رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو ووزير دفاعه، وبعض من أقطاب حكومته بمجرمي حرب، وطالبت باعتقالهم.

صحيح أن التضحيات التي قدمها الفلسطينيون، كانت فادحة، لكن القضية الفلسطينية، قد حظيت باهتمام واسع من قبل الرأي العالمي، وإسرائيل التي صنفها الغرب باعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة فيما يعرف بالشرق الأوسط، قد فقدت سمعتها، وباتت توصف باعتبارها نظام فصل عنصرياً، شبيه بما ساد في نظام الفصل العنصري، بجنوب إفريقيا.

نقطة الضعف، في طوفان الأقصى، أنه أخذ مكانه في بقعة صغيرة جغرافياً، تعدّ الأكثر اكتظاظاً بالسكان، في الكرة الأرضية، وأنه لم يشمل بشكل شامل الضفة الغربية ومدينة القدس، رغم تعاطف الفلسطينيين جميعاً مع سكان القطاع. ونقطة الضعف الأخرى، أن أحداث غزة، أخذت مكانها في ظل غياب الوحدة الفلسطينية، التي هي الشرط اللازم، لتحقيق تطلعات الفلسطينيين في الحرية، وإقامة دولتهم المستقلة فوق التراب الفلسطيني.

فاعلية الكفاح الفلسطيني، لن تكون مؤثرة، بالشكل الذي يلبي تحقيق أهدافهم، إلا بقيادة وطنية موحدة. وهذا درس بليغ ينبغي أن يكون حاضراً في المستقبل.

لقد قبل الفلسطينيون، بوحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية، للشعب الفلسطيني، في الداخل وفي المهجر. وقد حان الوقت لعودة الاعتبار للمنظمة لتكون، كما كانت لعقود طويلة، الكيان الشرعي الوحيد، للإرادة الفلسطينية. ولا بديل عن تجاوز واقع التشظي الراهن، وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.

سيجادلنا الكثير، من المهتمين باستحالة ذلك نتيجة اختلاف التوجهات السياسية، داخل الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذا في بعض أوجهه صحيح، لكن هذا الحال، كان كذلك باستمرار، ومع ذلك تمكن الفلسطينيون من تجاوزه، باعتماد لغة الحوار، واللجوء إلى تغليب رأي الأكثرية، على رأي الأقلية. وذلك ليس فقط أمراً ممكناً، بل هو الحل الوحيد، الذي يرتقي بالكفاح الفلسطيني، ويمكّن الشعب الفلسطيني، من تحقيق أهدافه، وإنجاز استقلاله السياسي. كما أنه يضع إسرائيل، في موقف صعب، ويفقدها ذريعة التعلل بعدم وجود إجماع فلسطيني.

إن تحقيق الوحدة الفلسطينية، سيدعم دون شك القضية الفلسطينية، وسيفقد إسرائيل ذرائعها، بعدم وجود ممثل وحيد، يمكن التفاوض معه بين الفلسطينيين. كما أنها ستمنح العرب جميعاً، ومناصري القضية على مستوى العالم أجمع، قوة مضاعفة، لنصرة قضية فلسطين، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، عن قطاع غزة، والضفة الغربية، ومدينة القدس، وتنقل مستوى القضية الفلسطينية، من قضية لاجئين، إلى شعب يطالب بالحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية، وفقاً لمبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وحق الأمم في الحرية وتقرير المصير.