آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 1:45 م

لحظة حضور

سهام طاهر البوشاجع *

أن تتحدث دقيقة واحدة في مجلس طال حديثه ساعات طويلة! أن تكون ممسكًا بهاتفك في جلسة العائلة، مسترقًا السمع، مبتسم الوجه، تضحك لضحكاتهم وتقهقه معهم، وتسأل: ما خطبكم؟ أن تقول رأيك في اجتماعات العمل، وتسأل: ما هي آراء الآخرين؟ أن تأكل في الوقت الأخير المخصص لتناول وجبة عشاء أو غداء! أن تحضر في نهاية زفة العروس! أن تقرأ أول وآخر صفحة من كتاب!

الوقت الذي يسعك لتتخلل تلك المواقف هو لحظات حضورك فيها فقط، وهي التي لاحقًا تتشكل على هيئة ذكريات حاضرة إن بقي شيء منها عالقًا في الذاكرة. تخيل ذلك! كل تلك الأحداث والأوقات لا تمسك بطرف ولا تحتضنك بذكرى! ونقول بعدها: مر الوقت سريعًا ولم ندرك بعض ما فيه، أو نشعر بجمال حديثه، أو بصحبة من كان فيه.

قسم أحد الكُتّاب أنواع الحضور على مستويات التواجد والحب، فكان ”الحضور مع، الحضور لأجل، الحضور بالرغم“. وقد فسر أن الحضور مع، هو على درجة عالية من الحب والتقدير، أي أنني حضرت مع فلان أو فلان، وفي هذا تقدير، ولكنه من أجل ذلك الشخص الذي حضرت معه، أو الشيء الذي كان بصحبتي. أما النوع الثاني من الحضور، وهو: الحضور لأجل، فهو أسمى درجة من النوع الأول في الحب والعلاقات الإنسانية، إذ ينبئ عن حضور راقٍ، فهو من أجل شخص ما، أو مناسبة ما، وفيه نوع من المحبة العالية والعاطفة الجميلة. إلا أن النوع الثالث من أنواع الحضور كان أكثرها رقيًا وأكثرها أهمية، فالحضور بالرغم يدل على عِظم التضحية التي قدمتها من أجل التواجد بين الناس في هذا المكان أو ذاك، فأنت هنا ومتواجد بينهم، بالرغم من ظرفك، أو انشغالك، أو الكثير من المسؤوليات التي نحيتها لأجل هذا التواجد وهذا الحضور.

ومن هنا تتجلى لنا أمور أشمل وأوسع من حضور دقيقة أو ساعة، حضور فعليًا، في وقت يتسع لساعات طويلة وأحاديث كثيرة، كان من الأولى أن تتواجد فيها وتشارك في أغلب تفاصيلها.

يحتاج الفرد في المجتمع لكي يندمج فيه ومع الناس من حوله أن يعرف ثقافتهم ومبادئهم وأفكارهم. ومفتاح التفاهم هو اللغة، وأعني باللغة تلك الكلمات التي تُفهم بحسب كل منطقة ومجتمع من الناس، وتلك اللغة التي تُعجن وتُطوّع حسب ثقافة الآخرين. فكونك تعرف كيف تساهم في دفع عجلة سير كل نقاش يدور بكل أريحية وسلاسة، فأنت هنا عرفت لغة الحوار وأجدتها، وهذا بحد ذاته يخلق توازنًا بين أن تكون حاضرًا طوال ساعات اللقاء أو الاجتماع، وبين أن يفقد ذهنك جزءًا منه، ويحضر فيه جزء آخر.

كونك أبًا، أو أمًا، أختًا كنت أو أخًا، معلمًا، موظفًا، مسؤولًا، صاحب وظيفة، أو هواية، مؤثرًا اجتماعيًا، أو متأثرًا، قائدًا، أو من الرعية، وغيرها... تحتاج أن تؤدي دورك في مسؤولياتك وفي حياتك وفي حياة الآخرين بكل توازن وحضور يليق بك.

اللحظات التي تذهب لا تعود، والوقت يمر سريعًا، لذا عليك استغلالها جيدًا في كامل حضورك وبكل شعورك وتفكيرك ووجودك، حتى لا تندم في يوم من الأيام على شيء لن تستطيع أن تصلحه، فالكثير من الأشياء حين تنكسر لا تعود كما كانت حتى لو تم إصلاحها وترميمها.

كن حاضرًا وقت حديث أبنائك.

كن حاضرًا وقت اجتماع عائلتك.

كن حاضرًا وقت لقاءات العمل.

كن حاضرًا في أوقات العبادة وحديثك مع الله.

كن حاضرًا عند سماع صوت عقلك وقلبك.

كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز