آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

حين خذلتني الأبجدية

رائدة السبع * صحيفة اليوم

هل تتفق مع الكاتب «آلان هارينغتون»، عندما قال أن كل عزاء بعد الفقد يبدو مبتذلاً، طقسًا فارغًا من المعنى، يفتقد الأصالة ويعجز عن استيعاب الفقد؟ قد يكون هذا تصورًا فلسفيًا أتبناه شخصيًا، وقد أكون مخطئة، ولكن هذا هو تصوري في كل مرة أواجه فيها الموت، خاصة وأنني أعمل في مركز لأهم وأخطر عضو في جسد الإنسان، وهو القلب. دائمًا أجدني أمام مشهد يعكس ضعف الإنسان أمام النهاية. أتذكر تلك اللحظات التي كنت فيها شاهدة على نداء“الرمز الأزرق”في المستشفى، ذلك النداء الذي يعلن عن معركة لا مفر منها حيث يكاد القلب يعجز عن مواصلة الحياة، يقف الموت مختالاً، تتقاطع الأنفاس.

هناك كنت أقف حائرة بين ما أراه وألم لا يُحتمل، أتساءل كيف لهذه الأجهزة المتطورة أن تخذلنا في مواجهة هذه الحقيقة الكبرى؟ لماذا، رغم كل هذا التقدم، لا نجد علاجًا يطيل لحظات الحياة ولو للحظة واحدة؟

قبل عدة أيام، وقفت مشدوهة في أصعب المواقف التي مررت بها في حياتي، لحظة خذلتني فيها كل حروف اللغة، هناك في عزاء زميلتنا العزيزة البشوشة، والتي لا زلت أسمع صوتها العذب، كنت بين غرباء، لا أعرفهم ولا يعرفونني، لحظة تعريفي بنفسي كانت أشبه بمجزرة للحروف، أنا التي كانت الكلمات دومًا رفيقتي، تلعثمت. قلت بصوتٍ خافت، «أنا زميلة همسة.»، لم أستطع أن أضيف أكثر، إذ خذلني الصوت وانفجرت الدموع. كان الموقف أشد إيلامًا لأنني لم أكن أعرف أحدًا، لكنني شعرت بقوة أن روح صديقتي كانت ترى حضوري وتسمع صمتي. كانت اللحظة، رغم قسوتها، رسالة أردتها أن تصل إلى روحها.

تذكرت كلمات ألبير كامو حين قال: «هل لاحظت أن الموت وحده هو ما يوقظ مشاعرنا؟ وكيف أننا نحب الأصدقاء الذين غادرونا؟ وكيف نعجب بأولئك الأساتذة الذين لم يعودوا يتحدثون بعدما ملأ التراب أفواههم! أتعرف لماذا نبدو أكثر إنصافًا وكرمًا نحو الموتى؟ السبب بسيط؛ ليس هناك التزام تجاههم، إنهم يتركوننا أحرارًا».

الموت كما وصفه كامو، يحررنا من قيود الزمان والمكان، ليجعلنا نرى الذين فقدناهم بمنظار أرقى وأصدق، لكن تلك الحرية التي يتحدث عنها كامو تحمل سؤالًا مريرًا: لماذا ننتظر غياب الأحبة كي نُدرك قيمتهم؟ لماذا لا نمنحهم مشاعرنا ونحن معهم في الحياة؟