مأذون وقصة
يا ولي أمرها.. يسرها ولا تعسرها
يتغير الزمان ويتقلب، وتتغير أحوال الناس معه، تشتد بهم الظروف أحيانًا وتنفرج أخرى، ولا يسع الإنسان إلا أن يردد الدعاء، اللهم اغن كل فقير، وزوج كل أعزب يا كريم.
تلقيت اتصالًا من مؤسسة تعنى بمساعدة الشباب المقبلين على الزواج ماديًا، إما بتوفير بعض المال لهم، أو بشراء بعض احتياجاتهم من الأثاث والأجهزة التي لا يستغني عنها منزل، وعادة ما يتصلون بأحد المأذونين كي يجري عقد الزواج مجانًا.
لم يبين لي المتصل أن الأمر مرتبط بمؤسستهم الخيرية، بل أخبرني أن أحد الأعزة سيتصل بي لإجراء عقد الزواج له، فقلت له على الرحب والسعة، أعطه رقمي وإن شاء الله أقوم بالواجب.
مضى يومان وإذا بالهاتف يرن، الصوت صوت شاب يافع، بدأ بإخباري أنه حصل على رقمي من طرف ذلك الشخص، وأنه يريد موعدًا لإجراء العقد، وفعلا اتفقنا على الموعد، وجاءني في الوقت المحدد، اصطحبني معه في سيارته المتواضعة، وبعد السلام والتحية جاءني اتصال من أحد أصدقائي المشايخ، وذكرني بموعد للعشاء مع شيخين آخرين في كورنيش القطيف.
أخبرته أني ذاهب لإجراء عقد وسألتحق بهم، وشكرت له تذكيري بالموعد، لأني نسيته.
ما أن انتهت تلك المكالمة حتى جاءني اتصال من أخينا الذي أرسل لي هذا الشباب الطيب لأجري له عقد الزواج، سألني هل جاءك الشخص؟ أجبته نعم، وأنا معه في السيارة، فقال: ”هذا من طرف مؤسستنا الخيرية، وقد أخبرناه أن العقد مجانًا“، قلت له: ”جزاك الله خيرًا وكثر من أمثالك، والموضوع سيتم على خير، ومن الله نسأل القبول“، فودعني وودعته وأغلقت الاتصال.
وقفنا عند إشارة المرور، فقال لي العريس وهو خجل ووجهه محمر: ”شيخنا لم أستطع إكمال المهر، فاتفاقي معهم على عشرين ألف ريال، والمتوفر عندي تسعة عشر ألفًا فقط، فهل يمكن أن تعقد لي على أن أدفع الباقي لهم لاحقًا؟“
تأملت فيه وفي حيرته واضطرابه، وقلت له لقد فتحت الإشارة لك، واصل سيرك إلى منزل خطيبتك، ثم طلبت منه أن يقترب من أحد الصرافات وسحبت له باقي المبلغ، فقد كان الباقي بسيطًا ومحتملًا، قدمته له وقلت له: "ضعه مع باقي المهر، واعتبره هدية العقد، أفرحني الشاب بفرحته وعودة السكينة إلى قلبه.
بعد أن هيأ والد العروس الطريق لنا لأخذ منطوق العروس ورضاها طلب أن يدخل العريس معنا، وما أن وصلنا إلى الغرفة التي فيها العروس حتى استوقف والدُها العريس وقال له: ”أنت ترى المنزل، وترى الوضع، والبنت مدللة، لا ينقصها شيء، والزوج لا بد أن تكون يده ممدودة، وكرمه على زوجته كثيرًا“، فردّ الشاب إذا لم أستطع على مثل ما هي فيه، فلن أبخل عليها بما أقدر وأستطيع، لم يقنع الوالد بهذا الجواب، فقال: ”لا تقل إذا لم أستطع، فمن يعمل ويتعب يستطيع، ومن يقدم على الزواج لا بد وأن يكون مستعدًا لأعبائه“، أطال الرجل الكلام، واستمر في إحراجه للعريس، الذي بدأ يتصبب عرقًا أمام خطيبته وأمام الشاهدين وبعض النسوة من أقاربه وأقاربها.
لقد أتعب الرجل نفسيتي بكلامه قبل أن تتعب نفسية الشاب، فخشيت عليه من الانهيار لقسوة الكلام، فقلت للشاب: ”إن قصد الرجل هو أن تتحمل مسئوليتك وتشمّر عن ساعديك، وتحاول ما قدرت أن تعيش معها عيشة كريمة“، ثم حاولت لملمة الموقف، وطلبت من الشاب أن يعود إلى المجلس، وأسرعت في الإجراءات، حتى عدنا إلى مجلس الرجال، والحمد لله تم العقد بفضل الله وتوفيقه.
1/ بعض الآباء يزرعون اليأس، ويبثون حالة القلق والتوتر في نفوس الشباب، لقد كان ممكنًا لوالد الفتاة أن يزرع الاطمئنان والأمل وراحة البال في قلب الشاب، وأن يشعره أنه ابنه، وأن المهم قبل كل شيء بين الزوجين هو الحب المتبادل، وأن باقي الأمور تأتي وتتحقق بالتعاون بين الزوجين.
2/ الحالة الاستعراضية التي يقوم بها بعض الآباء - سامحهم الله - لا داعي لها، ولا فائدة منها، وربما يكون ضررها وتأثيرها على الخطيبين كبيرًا ودائمًا، أليس الأجدر به أن يقول لابنته، هذا زوجك الذي ارتضيتيه وقبلت به، فاقبلي بنصيبك معه، وعليك بالستر والستيرة عليه، وكوني معه في السراء والضراء؟
3/ لا بد للمأذون في مثل هذه الأمور أن يوضح ويرشد، وينبه لبعض التصرفات التي يراها، بطريقة سلسة ومقبولة تحفظ مكانة الطرفين، وأن يمرر الرسائل التي يجب سماعها بهدوء ومحبة، عسى أن يكون كلامه ذكرى للمؤمنين.
خرجت من العقد واتجهت إلى أصدقائي المشايخ في كورنيش الخامسة بالقطيف، وصلت إليهم وسلمت عليهم، وجلسنا ننتظر العشاء، وصلت سيارة المطعم، فقدم سائقها لنا الطلب، ثم سأل عن اسمي، فنظرت له مستغربًا، فقال المشايخ العشاء عليك والفاتورة باسمك، وقد كسبت خمسمائة ريال بركة العقد، فادفع، وحسب المثل الشعبي ”طلع علينا العقد قرع بصري“.