التكريم بوصفه نسياناً
كثيراً ما تحمل مناسبات التكريم مشاعر مختلطة، ما بين فرح بالالتفاتة التي تذكرنا بقيمة المبدع والمنجز في مجاله، وما بين قلق من الأشياء التي تسقط سهوا في هكذا مناسبات، وليلة البارحة كان المسرحيون في المنطقة الشرقية موعودين بوقفة تقدير من نادي الخليج بعد نيلهم لجوائز عدة في مهرجان الرياض المسرحي الذي انتهى في القريب، وكان نصيب الأسد لشباب وشابات هذه المنطقة.
جميل هو التكريم للفن وأهله، فهو يأخذنا مباشرة إلى واحدة من أمنيات الفنان الذي يشعر باللذة وهو يستجيب لندائه الداخلي، لذلك المحرض الصغير على ارتكاب كل المغامرات الفنية، لكنه لا يشعر بالفتنة إلا حين يصغي لصوت الناس، وردود أفعالهم حوله.. يشعر بأن تقديره يأتي من داخله أولاً، غير أنه يترك نافذة في القلب لرسائل التقدير التي تصبح بمثابة علامة على موقعه في هذا الطريق الطويل.
تكريم البارحة سبقه بأيام تكريم آخر بجمعية الثقافة والفنون بالدمام، الفسحة الأجمل في سيرة الكثيرين من رواد المسرح ومحبيه، بيد أن الخليج ارتأى أن يهب اللقاء مسحة من الوفاء لأسماء تشابكت مع ذاكرة المسرح والدراما في مدينة سيهات، فاستحضر الفنان الراحل حسين هويدي ”أبو نوار“، والفنان الراحل السيد جعفر السيهاتي ”أبو حبيب“، وفي نية القائمين ضرب عصفورين بحجر واحد: تكريم الماضي والحاضر، ومد الجسور بين الأمس واليوم، خاصة وأن عددا من المتورطين في جوائز اليوم هم من أبناء المدينة الصغيرة.
الهويدي والسيهاتي كانا حاضرين في لحظات التأسيس للمسرح بالمنطقة الشرقية، وإن اختلف طبيعة حضور كل واحد منهما في هذا المشهد، كتبوا سطور البدايات وجربوا الخروج عن نص الحياة اليومية والدخول في نصوص المسرح والدراما، غاب الأول كما غاب الثاني، إلا أن الهويدي احتفظ بحسه الفكاهي واستعاد لياقته الفنية حتى بعد الانقطاع، فكان أكثر نشاطا في المسرح من العم الراحل ”أبو حبيب“.
واضح أن التكريم جاء وليد الحدث الأخير، وهو صولة الجوائز بالرياض، فكان التحضير له سريعا ومتعجلا كما يبدو، لكن هذه العجالة لا تكفي لتبرير نسيان اسم كان هو الأقرب لاحتمالات التكريم من نادي الخليج، وأعني الأستاذ والفنان الراحل محمد أبو مرة، فكان هو الأسبق من الاثنين إلى حب الفن، وكان اللحظة الفارقة في مسيرة الهويدي والسيهاتي، بالنظر إلى إسهاماته المبكرة في اكتشاف هذه الأسماء وتوريطها في المسرح، فضلاً عن كونه المدبر الأول للنشاط الفني والمسرحي بنادي الخليج في حقبة الستينات، وهناك كان أبو مرة يعيد اكتشاف طاقته وطاقة أبناء البلدة في عوالم التمثيل.
كان يمكن لنادي الخليج أن يستغل هكذا مناسبة لكتابة ما تساقط مع الوقت من سيرة رجل قدم الكثير إبان مشاركته في إدارة الأنشطة داخل أروقة نادي النسر، بمثل ما قدم الكثير من خلال المدارس التي جعلها هي الأخرى مساحة للعمل الاجتماعي والفني، قبل أن يمضي باتجاه أنشطة فنية أخرى في دولة الكويت، مكملاً سيرته الأولى التي جاءت وسط ظروف وقيود اجتماعية ومادية لا يعرفها فنانو المرحلة الحالية.
لا تتكرر مناسبات التكريم عادة، لذلك كان ينبغي الالتفات إلى هذا الحدث بالمزيد من الاهتمام والجدية، لكي لا ينتهي هذا التذكر الجميل لمن صنعوا الجميل في هذا المجتمع إلى لحظة نسيان، ونكران، وتجاهل لأرواح كانت في مقدمة الركب.
وبس.