آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 1:45 م

كيف أكتبها: رؤف أم رؤوف؟

عبد الباري الدخيل *

ممن ألجأ إليهم عند معضلات اللغة الصديق السيد زكي الشاعر، فمنذ عرفته وهو مهتم باللغة حتى أصبح متضلعًا في فيها وفي مدارسها واتجاهاتها، بل أظنه صار خبيرًا في كل صغيرة وكبيرة تتعلق باللغة العربية.

وقد جرى بيني وبينه حديث حول الرسم الإملائي للهمزة في كلمات مثل رؤوف، وإجراءات، وما شابه.

فأفاد بمقال موسّع، رأيت أن أنشره لتعم الفائدة، قال زاده الله علمًا وفهمًا:

مذاهب الرسم/الإملاء في المشرق العربي ثلاثة: المذهب العراقي، والمذهب المصري، والمذهب الشامي، ومما يراعيه المذهب العراقي والمذهب المصري كراهة تتالي الأمثال في الخط، ولا يعنون بالأمثال إلا الواوات والألفات؛ فإذا كتبوا: إجراءات، قالوا: إن الأصل في رسمها: إجراأات، ولما تتالت الأمثال - وهي الألفات الثلاثة المرسومة - وكان في كتابة «إجراآت» تتالي مثلين/ألفين، ألقوا الهمزة المرسومة على الألف الثانية من «إجراأات» على السطر، وكتبوا: إجراءات، وخففوا من كراهة تتالي ألفين، بتوسيط همزة بينهما.

ولو لم يكن تتالي الألفين في «إجراءات» مكروهًا عندهم، لكتبوا: إجراءًا، ولم يكتبوا: إجراءً، وجزاءً، ونحوهما.. ولكن تتالي ألفين أهونُ من تتالي ثلاثة، على أن أصل رسم «إجراءً»: إجراأً، إلا أنهم حذفوا رسم الألف الثاني، وألقوا الهمزة على السطر.

وفي رسم «إجراءات» و«إجراءً»، تتوحد المذاهب الإملائية الثلاثة.

أما رسم مثل «رؤوف»، فالمذهب الشامي لا يُكره فيه تتالي الواوين، ويُكره في المذهبين الآخرين، وتُحذف الواو الأولى في المذهب المصري، وتُلقى الهمزة على السطر، فتكتب: رءوف، وتُحذف الواو الثانية في المذهب العراقي، فتكتب: رؤف، كما كتبوا: مؤنة وِزان فَعُولَة، لا وِزان فُعْلَة، وأمنوا اللبس وأن يُفهم من «رؤف» فعلٌ ماضٍ، ووكلوا ذلك إلى السياق.

وكتب العراقيون: مسؤل وِزان مفعول، وقوَّوا بمثله حجتهم في حذف الواو الثانية من مثل «مؤنة»، وقالوا: إن في ذلك مجانسةً بين ما يمكن اتصال ما قبل الهمزة بما بعدها، ك «مسؤل» الذي يمكن اتصال السين بالواو منه، كما تكتب: سوسن، وما لا يمكن فيه ذلك، ك «رؤوف» التي لا يمكن اتصال الراء منه بالواو، كما تكتب: رواج.

والمصريون حذفوا الواو الأولى من «مسؤول»، وكتبوا: مسٔول، ولم ينبروا للهمزة، وعليه خط المصحف الشريف، إلا أن ترك النبر لا يتأتى بخطوط المطابع والآلات والأجهزة، فاضطروا إلى النبر، فرسموا: مسئول.

والهمزة في «رءوف» ملقاةٌ على السطر، وبحكمها الهمزة في «مسٔول/مسئول»، وقول بعض أهل الرسم: ”إن الواو الثانية تُحذف، وتُلقى الهمزة على السطر، إن لم يمكن اتصال ما قبل الهمزة بما بعدها، ك «رءوف»، ويُنبر للهمزة إن أمكن اتصال ما قبلها بما بعدها، ك «مسئول»“ فيه إغفال لما هو الأصل الذي مر، وأُيِّدَ برسم المصحف الشريف الذي كُتِبَ على هذا المذهب.

والقول في «هيئة» و«بيئة» هو القول نفسه، من جهة أنهم عاملوا ما آخره تاء/هاء معاملة ما لم يُختم بتاء/هاء، كما كتبوا: شيء، وكفء، وكأنهم أبقوا على همزة «هيئة» و«بيئة» همزةً متطرفةً، لا متوسطة، فاستوت كتابة: ساءل ومروءة ووضوءه وبيئة، في إلقاء الهمزات على السطر، إن جاءت بعد ألف أو واو أو ياء، وقد تقدم أن الأصل في «بيئة» و«هيئة» كتابتهما، دون نبر.