في يوم اللغة العربية
يحتفل العالم في يوم الثامن عشر من شهر كانون أول «ديسمبر» من كل سنة بيوم اللغة العربية. فما عساي أن أقول؟
هل الموضوع مهم ويستحق الكلام أساسا؟
هل اللغة العربية بخير أم أن هناك ما يجب أن يقلقنا؟
وأيّا كان، فماذا في يد الفرد العادي أن يفعل؟
بالنسبة للسؤال الأول، إذا ما رأينا اللغة طريقة للتواصل فقط كنظرتنا السطحية أحيانا، فلا أعتقد أن الأمر يستحق الوقوف والكلام. يمكن أن نتواصل مع الآخرين بأي لغة أو وسيلة أخرى. أما إذا ما رأينا اللغة حاضنة ثقافية وطريقة للتفكير فإن الأمر مهم للغاية. اللغة حقا حاضنة ثقافية وطريقة للتفكير.. عندما تنتقل من لغة إلى أخرى فأنت تنتقل بين نسق فكري وآخر. كل كلمة أو جملة أو تركيب لغوي ينطوي على حمولات معرفية وقيمية وتاريخية وليس معنى جامدا.. الكلمة لها معنى ولها ظلال وإيحاءات نبعت من البيئة التي نشأت فيها والثقافة التي انطلقت منها. أنت عندما تحرم شخصا من لغة ما، فإنك في الحقيقة تفصله عن كل الثقافة والمعرفة التي تختزنها هذه اللغة. ولهذا صار من الواضح أن معارف الإنسان تتسع وتتنوع بتنوع اللغات التي يتقنها. فالاهتمام باللغة أمر بالغ الأهمية خاصة في العصر الراهن الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة تتلاقى فيه اللغات والثقافات وتتماس بصورة مباشرة كل يوم. اللغة العربية لأهلها اليوم عنصر كبير في تكوين هويتها ومن المهم أن تحافظ عليه في هذا الطوفان الثقافي والمعرفي من حولها.
أم السؤال الثاني، وعلى ضوء ما أبنا في السؤال الأول، فاللغة العربية ليست في أحسن حالاتها. واللغة ليست إلا انعكاسا لحال أهلها وهم اليوم في وضع لا يحسد عليه. لن أدخل في تفاصيل وإحصائيات لا بد أنكم سمعتم بها عن التراجع التي تشهده اللغة العربية في بيئاتها الطبيعية بل في مهدها وتمدد اللغات الأخرى ومزاحمتها إياها. اللغات الأخرى تقدِم لنا على ظهر الآلات والتقنيات والمخترعات التي لا نحسن أن نخترع مثلها وتأتي مرة أخرى على ظهر هذا الانبهار بالتفوق التقني فتفتح لها المدارس والمكاتب والبيوت. يكفيك أن تمشي في إحدى الحواضر العربية وتتلفت في أسماء المحلات والشوارع... هذا يكفي أعتقد.
أما السؤال الثالث وهو بيت القصيد.. ما بيدنا أن نفعل؟ أعتقد أن الفهم أساس العمل والاهتمام، وعندما ندرك خطورة التراجع للغة على هويتنا وثقافتنا فلا بد أن نتجه إلى فعل شيء ما. أرى بصيص أمل من الاهتمام في ما تقوم به بعض المراكز والجمعيات التي أنشئت مؤخرا في بعض أنحاء الوطن العربي وفي مملكتنا بالتحديد، وهذا أمر يبعث على الأمل. أتمنى أن أرى مزيدا من الاهتمام في الديوانيات والنوادي الشعبية وغيرها من المنصات في هذا السبيل.
لكن لا غنى عن الوصول بهذا الاهتمام إلى الرجل العادي والمرأة العادية، إلى رب الأسرة وربة الأسرة ليبدأوا في التفكير في رفع فهمهم للغة أنفسهم وحث أبنائهم على ذلك. قراءة كتب التراث من أفضل الوسائل للحفاظ على لغة فصيحة عالية، وهذا متاح للجميع.
القرآن الكريم هو أهم كتاب في تراثنا نحن المسلمين، وهو متاح للجميع وعليه حثٌ كبير في الدين. بل يمكننا أن نقول بثقة عالية إن القرآن هو الذي حافظ على العربية على مدى القرون الأربعة عشرة الخالية. حتى غير المسلمين المهتمين باللغة يبدأون هذا الاهتمام بمعرفة القرآن وهناك دراسات لغوية ودلالية راقية قام بها بعض هؤلاء كشفت عن معاني وأساليب لغوية رفيعة.
اهتموا بالقرآن قراءة، وحفظا، ومعاني ودلالات ترتق لغتكم وتحافظوا عليها.