آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

نحو بناء أفضل

ينظر الكثير منا إلى الأوقات العصيبة واقتحام الأزمات حياتنا فجأة ودون سابق إنذار بعين اليأس، والنظرة عينها إلى الصدمات النفسية أو العاطفية بعين الألم والفكرة السوداوية والسقوط المدوي على أرض الضعف واليأس، ولا يمكن لأحد منا أن ينكر حقيقة الألم والأذى اللاحق بالنفس إثر تلك اللحظات المضنية والمتعبة، ولكن فكرة الاستسلام والتصنيف الذاتي في خانة الضعف خاطئة وتقودنا إلى الخسارة الكبرى، إذ لتلك المصاعب والتجارب المريرة وجه آخر يكشف عن تحديات ومحطات اختبار لما نمتلكه من أدوات تفكير وقدرات تحمل ونفس طويل على التعايش مع الآلام، فإن الشدائد لها دور كبير في تشكيل الأطر المحددة لشخصياتنا وصقلها بعوامل القوة والاقتدار في معارك الحياة ومتاعبها.

التفكير المتأني والبحث الهادئ عن أبعاد المشكلة وطرق الخروج منها تعد من أهم المكتسبات من المحن، حيث يعيد حينها إعادة ترتيب أوقاته ودراسة نقاط تقصيره وأخطائه، كما أن الصبر والقدرة على تحمل الآلام والخروج من رحم المعاناة وقد اكتسب مبدأ مواجهة التحديات يعد مكسبا آخر، فطبيعة الظروف الحياتية هي مواجهة المشاكل والصعوبات واقتحامها لمجريات أيامنا، والقوة الحقيقية لشخصية الإنسان هو لبس مدرعة الصبر والنفس الطويل في مواجهة التحديات، فالأهداف والغايات والطموحات التي تداعب فكرنا ومشاعرنا تستحق التمسّك بها بكل جد واقتدار، وأما السقوط في أتون اليأس واستشعار الضعف فهو كمن يرسم نهاية مؤلمة لآماله، دون أن يلتفت لما يتمتع به من قدرات وإمكانيات يمكنه من خلالها تغيير موقعه على أرض الواقع، فالانهيار النفسي هو السهم المميت الذي يقضي على الفرد، وقد يكون هو من وجّهه لذاته من خلال الاستسلام وضعف الإرادة.

وكثيرا ما تتحوّل الصعوبات والتحديات إلى فرص سانحة ينبغي السعي إليها واقتناصها، وتكون مستقبلا المحفّز الذاتي للفرد نحو التغيير الإيجابي والتخلص من الصفات السيئة أو التخلي عن ملامح التقصير والتخلي عن المسئولية، فقد يصاب المرء بالوهم في تفكيره من خلال الخلود إلى التأقلم مع الأزمة أو الصعوبة كما يزعم، من خلال تكتيف اليدين عن أي محاولة للتغيير والعمل على رفع ركام المشكلة، والحقيقة أن التكيف مع الواقع الصعب من أهم مبادئ التعايش وتحصيل الراحة النفسية، ولكنه لا يأتي إلا بعد القيام بخطوات جادة في طريق التغيير ونفض غبار الصعوبة، فهو أمام تحدّ لقدراته وإمكانياته وعليه العمل جاهدا لإثبات ذاته في هذه المواجهة، وكم من إنسان كان لا يمتلك إرادة التغيير وتحمل مبدأ المسئولية في مواجهة الصعوبات، وما غيّره وصنع منه إنسانا يصارع العقبات ويواجهها بما أوتي من قوة، إلا بعد أن صفعه الزمن بتجربة أو حدث مؤلم أخذ منه مأخذه من الألم، ودفعه نحو تغيير مسار تفكيره ونظرته للحياة بعين الواقعية والفاعلية، فعمل جاهدا على بناء حياة أجمل لا من خلال الأمنيات البعيدة، بل من خلال النظر لكل يوم في حياته وما يحمله من واجبات ومسئوليات كمحطة تحديات استعدّ لها كثيرا.

النضج والرشد والتكامل الفكري والسلوكي في شخصية الإنسان لا يأتي من فراغ، والتجارب القاسية إحدى روافد تشكّل شخصيته متّسما بالإيجابية وإدراك الواقع، فالحياة مدرسة تحمل صنوف الدروس فيتلقاها من يحمل همّ بناء نفسه وصنع موطئ قدم له.