لعبة احترقت
- لعبة ”احترقت“ من أعنف الألعاب الشعبية التي عرفتها في المنطقة بشكل عام، وفي سيهات بشكل خاص، لأنني كنت أشاهد الصبية يلعبونها على الرمل في حي الديرة - أيام طفولتي وصِباي -، كما كنت أشاهدها في الحارات الأخرى أيضاً ك «النقا» و«الخصاب» و«الطابوق» و«اليحلوف» و«الحالة» وغيرها من الحارات الصغيرة والكبيرة، الرئيسة والفرعية، وأتذكر أنني آخر مرة لعبت هذه اللعبة في حي الديرة بالمرحلة الابتدائية - حتى 1399 هـ - في ساحة فارغة من البناء قريبة من مقر سكن عائلتنا بـ ”البيت العود“.
وملخص تفاصيل هذه اللعبة هو أن يخط الفريقان خطاً في وسط الساحة ويتقسم اللاعبون إلى قسمين: قسم في الجانب الأيمن من الملعب، وقسم في الجانب الأيسر منه، ثم يختار الفريقان المبتدئ باللعبة إما بالقرعة أو بالاتفاق، والفريق المبتدئ باللعبة يتقدم أحد لاعبيه من الخط وخلفه بقية فريقه، ثم يتقدم إلى داخل ملعب الفريق الخصم مادَّاً يده اليمنى أو اليسرى، ويمكنه أن يمدّ اليمنى ثم اليسرى وبالعكس حسب رؤيته للاعبين في مربع الخصم، وحسب قربهم وبعدهم عنه، فهو مخير في ذلك؛ ويقصد بمدّ اليد إلى الأمام أن يلمس أحد لاعبي الخصم بطريقة سريعة وخاطفة ثم يعود بسرعة إلى ملعبه بعد الخط الذي تعداه فيكون الشخص الذي لمسه قد احترق لأنه لم يستطع الإمساك باللاعب المتقدم للمسه أو لمس أحد زملائه، ويكون اللاعب المحترق قد خرج من اللعبة، ثم تعود اللعبة مرة أخرى بدخول لاعب آخر يختاره الفريق الفائز ليحاول اصطياد لاعب آخر بلمسه ثم يعود بسرعة لملعبه بعد الخط، ولا يلعب الفريق الثاني بتقديم لاعب ليدخل فريق الخصم الأول إلا إذا استطاع هذا الفريق أن يسحب أحد اللاعبين المتقدمين للمس، وإلا فإن الفريق الفائز هو الذي يتقدم لاعبه للمس اللاعبين ثم العودة بسرعة، وهكذا.. وقد يتفق الفريقان على أن يكون لكل متقدمٍ للمس اللاعبين لعبة واحدة فقط، ثم يتقدم لاعب آخر من الخصم، حتى لو فاز الفريق الأول بلمس أحد اللاعبين، ويكون الفوز لأكثر عدد لاعبين يتم بقاؤهم في الملعب.
وتتميز هذه اللعبة بكونها من ألعاب العنف، لأن فريق الخصم عندما يتقدم لاعب الفريق الأول يحاولون جذبه إليهم ومسكه من جميع الجهات حتى لا يتفلّت ويهرب إلى ملعبه فيكون الذي لمسه قد احترق حتى لو كان عدد الذين لمسوه أثناء هروبه جميع اللاعبين للخصم أو بعضهم، وقد وُفقت ولله الحمد بلعب هذه اللعبة وكنت بارعًا نوعاً ما إلا أنني لم أكن قويَّ البِنية حتى أستطيع أن أمسك اللاعب المتقدم بقوة وأجرُّهُ إلى ملعبنا حتى يستسلم، ففي بعض المرات يستطيع المتقدم بالهروب السريع فأكون قد احترقتُ فأخرج من الملعب، وبعض الأحيان أستطيع الإمساك به ويأتي زملائي لمساعدتي - إذا كان المتفق عليه في قانون اللعبة أن يساعدني زملائي إذا أدخلت الطرف الخصم إلى خانتنا في الملعب - فنمسك به جميعاً إلى أن يستسلم، وهكذا.
وعلى صعيد تجربتي الذاتية وقتئذٍ تركت هذه اللعبة ولم ألعبها مرة أخرى لما فيها من العنف والشِّدَّة، - ولأنني كرهت الصراع من الزملاء بسبب تجربة سابقة في الصراع على قلم وجدته مع أحد زملائي ”في قصة أخرى من ذكرياتي“ - حتى ارتسم في طبعي عدم حبّ العنف مع الآخرين في اللعب بالذات مع الأصدقاء وزملاء الدراسة أو مع الجيران، والسبب ”علقة“ قوية حصلت عليها من والدي ”رحمه الله“ من جرّاء ذلك الصراع مع أحد زملاء الدراسة من أجل التسابق في العثور على قلم.
- قد تطرقت الأدبيات الرياضية إلى ما يُسمى بالشغب الرياضي أو العنف الرياضي و”يشير إلى الأعمال الفعلية التي ارتكبت في رياضات تتطلب الاحتكاك الجسدي مثل كرة القدم الأميركية؛ والهوكي على الجليد، ولعبة الرجبي، وكرة القدم، والملاكمة والفنون القتالية المختلطة، والمصارعة، وكرة الماء، وذلك بما يفوق المستويات العادية للاتصال المتوقع خلال لعب هذه الرياضة أو قد يكون العنف لفظيًّا وذلك بسبّ أو شتم الآخرين خلال المباراة، ويمكن أن أعمال العنف هذه تشمل محاولات متعمدة لإصابة لاعب من قبل لاعب أو مدرب آخر، ولكن يمكن أن تشمل أيضا تهديدات بالإيذاء الجسدي أو الأذى الجسدي الفعلي المستمر من قبل اللاعبين أو المدربين الذين يمارسون العنف الرياضي، والشغب هو سلوك مناف للأخلاق الرياضية، وتصرفات غير لائقة، وأعمال عدوانية يقوم بها أحد عناصر لعبة رياضية ما قد يكون هذا العنصر الجمهور أو اللاعبين وقد يكون مصدره إدارة فريق أو الحكام“، وبالطبع أيها ”المِسك“ ألعابكم الشعبية القديمة يقصد منها التسلية والبريئة والمتعة المشتركة، ولأن القصد من اللعب هو التسلية والرياضة وليس ضرب الآخرين وإيذائهم بالضغط عليهم أو احتجازهم بالقوة والشّدة.
- نعم صحيح، وقد نمت هذه الفكرة الأخلاقية في ذهني شيئاً فشيئاً حتى اقتنعت بها تماماً - على مستواي الشخصية كجزء من حريتي في التفكير والقناعات - وهذا هو إحساسي البريء وقتئذٍ، ولعلّه إحساس خاص بي، لأن الكثير من الرياضات فيها من العنف ما فيها كالمصارعة بأنواعها والملاكمة والجودو والكاراتيه وما أشبه، وكلها لا أحبها لكونها من ألعاب العنف والشدة إلا إذا كانت لقصد التدريب العسكري على اعتبار أنها جزء من العمليات القتالية الفردية للهجوم المشروع أو للدفاع المشروع، وإلا فإنها من الألعاب التي قد تسبب الضرر الجسماني للفريقين معًا، كما إنها تسبب الحنق والغضب من كلّ طرف تجاه الطرف الآخر.
أما وجهة النظر الأخرى المؤيدة لأمثال هذه الألعاب وهي السائدة بهذا الخصوص، وهي أن يتم تشجيع هذه الألعاب الشعبية وتعليمها للجيل الجديد، بل وإدخالها ضمن ألعاب الأندية الرياضية النظامية، مع دراسة قوانينها المعتادة عند المجتمع قديماً مع إجراء بعض التطويرات على هذه القوانين لتتناسب وهذا العصر المنفتح على الكثير من الألعاب الشعبية، كأن تكون من ضمن الألعاب التي تقام في المهرجانات السنوية في المدن والقرى والهِجر؛ ويكون ذلك تحت إشراف المحافظات أو البلديات، وهذا اقتراحٌ كنت أناقشه مع بعض الأخوة الرياضيين في إحدى جلساتنا معهم - كما حدث ذات يوم عندما ناقشت تفاصيل ذلك في جلسة بمنتدى عرش البيان الأدبي ”لهواية الأدب“ -، ولا ضير في ذلك إذا كانت اللعبة مُنظمة ويُشرف عليها مدربون متخصصون على أن يتم تدريب اللاعبين على التميُّز بالروح الرياضية واعتبار أن الصراع في اللعبة وكذلك الشّدة جزء لا يتجزأ من قوانين اللعبة ذاتها، وأن الغالب أخو المغلوب، والمغلوب أخو الغالب، وروح الإخاء لا تكسرها هذه القوة وهذه الشدة في قوانين هذه اللعبة، وعلى كل لاعب أن يتميز بهذه الروحية حتى لا يخسر بعضهم بعضاً من أجل لعبةٍ الهدف منها تنمية العضلات والمهارات الجسمانية ليس إلا، وتنمية القدرة العقلية في التخطيط السليم لتوظيف القوة بالشكل المناسب.