آخر تحديث: 7 / 5 / 2025م - 6:51 م

هذه تفاصيل البحث عن الدرعية الأولى ناحية القطيف

جهات الإخبارية مريم آل عبد العال - القطيف

”إن الحقيقة التاريخية تؤكد نزوح“ مانع بن ربيعة المريدي ”جد أسرة آل سعود من موطنه الواقع ناحية“ القطيف ”إلى وادي حنيفة، وهذه الروايات لم توضح لنا كنه هذه البلاد التي كان ينزلها الدروع في المنطقة الشرقية، هل هي موارد مياه أم بلدة عامرة ذات بساتين ونخيل؟“ هذا ما دونه عبد الله الشايع أثناء بحثه عن مكان الدرعية الأولى الذي تمخض عنه الكشف عن 14 موقعاً أثرياً فيها.

حيث أسست عشيرة المردة من الدروع من بني حنيفة بلدة الدرعية التي تقع بالقرب من القطيف والدمام شرقي الجزيرة العربية على ساحل الخليج العربي في القرن الرابع الهجري، وذلك بعد أن انتقلوا من وسط الجزيرة العربية التي كانت تعاني آنذاك من عدم الاستقرار وسيطرة الدولة الأخيضيرية وسياستها القاسية، إضافة إلى القحط والجوع الذي أصاب المنطقة.

وقالت الدكتورة جملاء المري وهي استاذ التاريخ المساعد في التاريخ السعودي بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل: إن ما حدث في منتصف القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي حيث عم الاستقرار إقليم اليمامة فعادت عشائر بني حنيفة إلى حجر اليمامة في وسط نجد، فتواصل حاكم مدينة حجر ابن درع مع ابن عمه مانع المريدي الحنفي وهو في بلدته الدرعية شرق الجزيرة العربية للقدوم بالعشيرة إلى وسط نجد للاستقرار في منطقة أجداده وأسلافه، وقد يكون أهم أسباب دعوة ابن درع لمانع المريدي ليتقوى به في منطقة العارض".

وذكرت الدكتورة المري عن أحداث انتقال الدروع من الدرعية الأولى إلى وسط الجزيرة العربية: ”انتقل مانع المريدي وأفراد عشيرته من الدرعية في شرق الجزيرة العربية إلى وسطها ومنحة ابن درع موضعي“ غصيبة ”و“ المليبد ”، اللذين يقعان شمال غرب مدينة حجر، فجعل مانع“ غصيبة ”مقراً له ولحكمه وبنى لها سوراً، وجعل“ المليبد ”مقراً للزراعة، وأطلق عليها اسم الدرعية نسبة إلى عشيرته الدروع وكان ذلك في عام 850 هـ / 1446م ويعد هذا الحدث من أبرز أحداث الجزيرة العربية، حيث كانت نشأة الدرعية هي اللبنة الأولى لتأسيس أعظم دولة قامت في المنطقة في تاريخ الجزيرة العربية بعد دولة النبوة والخلافة الراشدة.“

وعن تطور الأحداث، أضافت المري: ”أسس مانع الدرعية لتكون المدينة الدولة القابلة للتوسع مع الزمن، ونستشف من مواقف أمراء الدرعية منذ الأمير مانع المريدي أن هناك دستوراً عائلياً للحكم ركز على فكرة الدولة، وعلى العنصر العربي، وهذا ما جعل هذه المدينة لا تقوم على عصبية قبلية، وإنما على أساس دولة عربية. وفي امتداد قوي ضارب في التاريخ لهذه الإمارة تولى إمارتها عدداً من أبناء واحفاد مانع حتى تولى إمارتها الإمام محمد بن سعود معلناً تأسيس الدولة السعودية الأولى على في عام 1139 هـ / 1727م“

البحث عن مكان الدرعية الأولى

تبنت دارة الملك عبد العزيز البحث عن مكان الدرعية الأولى وتحديد موقعها في المنطقة الشرقية منذ عام 1423 هـ، وكلفت الاستاذ عبد الله الشايع بهذه المهمة. وقد جمع الشايع واستعرض جميع ما كتب عن الدرعية الأولى من مقالات وأبحاث، ومنها أقوال عدد من المؤرخين البارزين، كما قابل عدداً من الباحثين المهتمين بتحديد موقع الدرعية في المنطقة الشرقية، ووقف على المواقع التي حددت من قبلهم، وقابل بعض الأشخاص الساكنين والمترددين على تلك المواقع، وحدد موقعاً بعينه في منطقة تعرف باسم الدرعية، وتبعد حوالي 43كم من مدينة الدمام، بالقرب من مطار الملك فهد الدولي، إلا أنه لم يعثر خلال زيارته على اية أطلال أثرية، وأوصى بزيادة البحث والتحري عن أطلال الدرعية في هذه المنطقة وإجراء بعض المجسات التنقيبية فيها.

وعلى ضوء هذه النتائج تمت بعد ذلك عدة مخاطبات بين دارة الملك عبد العزيز وإمارة وأمانة المنطقة الشرقية بشأن وضع علامات للموقع، وتم الاتفاق على أن تقوم الدارة بتزويد الإمارة بما يكتب فيها. ثم وضعت الأمانة رؤية لتأهيل الموقع ليكون مقصداً وواحة صحراوية سياحية تخدم الأهالي، وفق اقتراح دارة الملك عبد العزيز. ووضعت التصورات لتكون المساحة المستغلة في الموقع بمقدار 250000م2 لتشمل منتزه تاريخي صحراوي منسق بالأشجار والنباتات البرية، ساحة مناسبة تحاط بالجلسات وبعض المحلات والأروقة لإقامة أنشطة متنوعة لها علاقة بالتراث المحلي، ومدرج لاستعراض الخيول، متحف للدرعية الأولى، جلسات مفتوحة، ملاعب للشباب.

أقوال المؤرخين

وذكر الشايع في تحليله لأقوال أبرز المؤرخين والباحثين: ”إن الحقيقة التاريخية تؤكد نزوح“ مانع بن ربيعة المريدي ”جد أسرةآل سعود من موطنه الواقع ناحية“ القطيف ”إلى وادي حنيفة، وهذه الروايات لم توضح لنا كنه هذه البلاد التي كان ينزلها الدروع في المنطقة الشرقية، هل هي موارد مياه أم بلدة عامرة ذات بساتين ونخيل؟“

وأضاف الشايع: ”بإلقاء نظرة على أقوال من تطرقوا للكلام عن هذه الدرعية، راح بعضهم للقول بأن الدرعية ليست بلدة الآن وإنما مكان فيه آثار نخل وفيه ماء قديم، ثم حُفر فيه حديثاً بئر بآلة الحفر الحديثة. ونحى آخر إلى أن الدرعية“ قرب القطيف ”جاءت من كونه لا يوجد في ذاك الوقت من المدن إلا الأحساء والقطيف، فنسبت إلى أقربهما إليها وإلا فالدرعية تبعد عن“ القطيف ”قرابة 40 كيلو جهة الجنوب الغربي. فيما قال آخر أنها تقع قرب الظهران يميل بنحو الشمال. إذ لو أصبحت الدرعية جنوب“ بقيق ”على بعد 32 كيلو لقلنا إنها ناحية“ الأحساء ”وليس“ القطيف"".

أربعة عشر موقعاً أثرياً

ومن جانبها، استكملت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني العمل الميداني الذي قامت به دارة الملك عبد العزيز، وانطلاقا من التوصيات الواردة في تقرير الدارة الذي أعده الاستاذ الشايع والذي أشار إلى حاجة المكان إلى زيادة البحث والتحري.

حيث قامت الهيئة بتشكيل فريق علمي متخصص من الباحثين في الآثار لعمل مسح أثري لموقع الدرعية الأولى بالمنطقة الشرقية، في عام 2016 ولمدة 10 أيام، وتم الوقوف على المواقع الأثرية وتحديد تواريخها والتقاط المزيد من الأواني الفخارية والخزفية المتوافرة على سطح المواقع.

وكانت الفرق التنقيبية قد سجلت أربعة عشر موقعاً أثرياً تقع في المنخفضات الواقعة بين كثبان الرمال، وتتكون الآثار المشاهدة في هذه المواقع من أساسات جدران من الحجر، وبقايا رجوم حجرية، مجموعات من القبور الإسلامية، وآثار آبار قديمة، وما يتصل بها من شرائع مياه. وتنتشر حول هذه الآثار أنواع كثيرة من كسر الفخار والخزف يعود تاريخها إلى العصر العباسي الموافق القرن الرابع الهجري وما بعده، وأنواع أخرى من الفخار غير المطلي يعود تاريخها إلى الفترة الإسلامية الوسيطة في القرن السابع والثامن والتاسع للهجرة، وجميع هذه الكسر الفخارية عثر على ما يماثلها في مواقع أثرية أخرى بالمنطقة الشرقية.

وحيث سجلت موقعاً أثرياً عبارة عن منطقة مرتفعة قليلاً تشكل هضبة تحيط بها الرمال، وتبرز على سطحها مجموعة احجار قد تشكل رجماً أو مدفناً ركامياً، أو بقايا بناء. وموقع آخر بين الكثبان الرملية، تنتشر على سطحه الأحجار من مختلف الأحجام، وقد تجمع بعضها مشكلاً عدداً من التلال البسيطة، والأحجار من نوع الفروش البحرية، وتلاحظ القواقع والأصداف البحرية الصغيرة المتحجرة ضمن مكوناتها، وربما كان الموقع قاعاً لمستنقع مياه، وقد التقطت من على سطحه مجموعة من كسر الفخار.

ويعد أهم المواقع الأثرية المسجلة، الذي يقع غرب مسار سكة الحديد، حيث يشتمل على بعض المعالم الأثرية، منها شكل دائري من الحجر الجيري الأبيض ”فوهة بئر ماء قديم“، ومجموعة من القبور الإسلامية، كما تم التقاط كسر فخارية حمراء اللون من سطح الموقع. بالإضافة إلى موقع تنتشر على سطحه الكسر الفخارية المزججة وغير المزججة التي يعود تاريخها إلى العصر العباسي بين القرن الثالث إلى الخامس الهجري، إحداها كسرة فخارية مزخرفة ومزججة بالطلاء القلوي الأزرق، ومن نوع الجرار الكبرى، وكذلك جزء من بقايا لإناء فخاري مزخرف من النوع الذي يسمى ”Biscuit ware“.

كما توجد في بعض هذه المواقع شظايا من حجر الصوان قد تكون ناتجة عن تصنيع أدوات حجرية في عصور ما قبل التاريخ، وكذلك رجوم بأشكال المقابر الركامية التي تعود لفترات ما قبل التاريخ والعصور التي تليها، وهي تماثل الأنواع المنتشرة في واحة يبرين، وأماكن أخرى في المنطقة الشرقية، مما قد يدل على أن المكان ربما شهد استيطاناً بشرياً في العصور القديمة قبل الفترة الإسلامية.

وبالإضافة إلى آثار الفترات الإسلامية المشاهدة في المكان ربما توجد آثار أخرى من الفترة نفسها غطتها الكثبان الرملية التي تزحف باستمرار على الأماكن المنخفضة المتكونة بينها.

الدرعية الأولى.. تضاريس المكان

إن تضاريس المكان في الوقت الحاضر، التي غالباً لم تتغير كثيراً عما كانت عليه في الماضي، باستثناء تشكيلات الكثبان الرملية، تُرجح أنه كان على شكل وحدات سكينة متفرقة ومتباعدة تنتشر في كافة أرجاء المكان، وبجوار كل منها مصادر للمياه، ومساحات محدودة مزروعة بالنخيل والمحاصيل، ممثلة مكاناً مناسباً لإقامة الإنسان في مثل هذه البيئة الصحراوية، التي ليست بواد تتكتل فيه إقامة الناس، وإنما منطقة صحراوية متسعة، تتوافر فيها المياه في المنخفضات المتكونة بين الكثبان الرملية، على أعماق ليست بعيدة، وغالباً ما يسكن الموقع أكثر من أسرة واحدة تجمع بينهم صلات القربى والنسب، على النحو الذي يشاهد الآن في أماكن الإقامة الصحراوية في المملكة، وساعد على ذلك توفر مصادر المياه في المكان، في طبقات رسوبية تحت مستوى الكثبان الرملية.

كما أن خارطة توزيع مجموعات النخيل في الموقع تعطي تصور لما كان عليه مخطط السكنى في المكان في تلك الفترة، وربما كانت أشجار النخيل الموجودة الآن في الموقع امتداد للأشجار التي كانت مزروعة في فترة استخدامه السابقة، ثم تحولت إلى أشجار متشابكة وأيكات.