المستشار الراشد: الانطواء والانفعال أهم أعراض الاكتئاب.. والحياة العصرية «عزلتنا»

حاور ملتقى ”آراء وأصداء“ الأخصائي النفسي والمستشار الأسري ناصر الراشد، حول موضوع ”الاكتئاب لدى المراهق“، والذي أكد أن الانطواء وفقدان الطاقة والشهية أبرز أعراض الاكتئاب، إضافةً إلى سرعة الانفعال، ولوم النفس.
وأوضح أن الحياة العصرية أدت إلى العزلة، فصار المراهقون يعيشون في العالم الافتراضي بلا روح، وقد يتعرضوا لتجارب قاسية، تؤدي بهم إلى الاكتئاب.
- ما هي المراهقة؟
تختلف المراهقة عن البلوغ، فمصطلح البلوغ شرعي، بينما مصطلح المراهقة يستخدم في علم نفس النمو إجرائيًا، ويقع في نهاية الطفولة وبداية الرشد، ويحدث في هذه المرحلة تحول بيولوجي، والظاهر فيها حدوث نمو في النضج العقلي، والنفسي، والاجتماعي.
- ماذا عن تعريفاتها؟
من تعريفاتها، سرعة التغير في شخصية الفرد على المستوى الجسدي والنفسي والعاطفي والعقلي والاجتماعي، ويتأثر هذا النمو بمتطلباته، ويتطلب منه أحيانًا التكيف مع البيئة وثقافتها وظروفها المختلفة، ومن الخطأ الاعتقاد أن المراهقة تنفصل عن الشخصية الأساسية التي تكونت في الطفولة، فخبرات الطفولة تنتقل إلى المراهقة ومراحل العمر المتقدمة الأخرى.
- وما هي أبرز نظرياتها؟
”أنا فرويد“ من الشخصيات التي خففت من النظرة للمراهقة باعتبارها ”مرحلة نمائية“ في حياة الإنسان، بينما ”ستنالي هولد“ مثلًا، اعتبرها مرحلة عواصف وتوتر وشدة حساسية، بحسب رأيه، والعامل الأساسي لتلك التوترات هو التغيرات الفسيولوجية، والبعض يعزي ذلك للحياة الانفعالية التي عاشها في الطفولة.
- ماذا عن الاكتئاب؟
في العرف يتم التركيز على وصف الحالة المزاجية للشخص أو المراهق، الذي قد يتجه للانطواء على الذات، وقلة النشاط، وتغير الحالة المزاجية، وسرعة الانفعال والعصبية، فيقال عنه مكتئب، ومن الناحية العلمية يعتمد على ”جملة من الأعراض“ إذا تم ملاحظتها يمكن اعتباره كذلك.
- وما هي أعراضه؟
هناك فرق بين الاكتئاب المرضي، والعادي العام، فالجميع ربما اختبر مشاعر الحزن والتعاسة، لأنها شائعة بين البشر بشكل عام، وهناك اكتئاب موقفي، وهو انزعاج واستجابة للمرور بموقف معين، كاستجابة لوفاة أحد الوالدين أو صديق، طلاق، صعوبة تأقلم مع المدرسة، أو اكتساب الصداقات وغيرها من الأمور، التي قد يتوقف معها أشخاص دون غيرهم.
- ماذا عن المزاج الاكتئابي؟
هو خبرة عدم السعادة أو الاكتئاب، ويتضمن مشاعر ”نفاذ الخلق، أو الزهق“ حسب تعبيرنا، وانخفاض تقدير الذات أو اللامبالاة وفتور الهمة.
وفي التعريف الدقيق للجمعية الأمريكية للطب النفسي في الدليل التشخيصي، هو مجموعة من الانحرافات لا تنجم عن علة عضوية أو تلف في المخ، بل مجموعة اضطرابات وظيفية مزاجية في الشخصية، ترجع للخبرات المؤلمة أو الصدمات الانفعالية، أو اضطراب في علاقة الفرد مع الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ويتفاعل معه، ويرتبط بحياة الطفل وخاصة طفولته.
وقد يكون الاكتئاب سلوك أو محاولة للتخلص من صراعات واضطرابات تستهدف حل لأزمة نفسية" رغبة بحل أزمته بطريقة سلبية، لإحداث نوع من التوازن بداخله، وهي محاولة خائبة لا تجدي في خفض القلق بل تزيده، وإذا عرفنا السبب بإمكاننا معالجة الاكتئاب ببساطة وهدوء.
- وما هي العلامات التي تبين إصابة المراهق بالاكتئاب؟
هناك علامات مبكرة، مثل الانطواء، واختفاء أنشطة معتادة كان يزاولها ويفقد الاهتمام بها، وفقدان الشهية، والطاقة، وأبرز ما يميز اكتئاب المراهق ”سرعة التهيج والانفعال“ وهو من المؤشرات، وانفعال غير مبرر، وهياج نفسي، ولوم الذات، وأفكار متكررة حول النفس والموت والانتحار، وإحساس بانعدام القيمة للشعور غير المناسب بالذنب، وانخفاض في الأداء الاجتماعي والمهني والدراسي والتعليمي، إضافةً إلى أعراض فسيولوجية، مثل آلام ليس لها سبب عضوي ”نفس جسمية“ كل تلك الأعراض إذا تكررت، أو استمرت لأكثر من أسبوعين يشخص بالاكتئاب.
- وما الفرق بين أعراض الحزن والاكتئاب؟
ممكن القياس على المدة، فالحزن لايدوم طويلاً، وبسيط يحتوي مثلا على مؤشر واحد وغير كافي لزيارة الأخصائي، فقد يكون الشخص حزين ولكنه يمارس حياته الطبيعية، فلا بدّ من توافر 5 عناصر على الأقل لزيارة الأخصائي.
- هل هناك فرق بين اكتئاب المراهق وغيره؟
ما يميز اكتئاب المراهق، الانفعال على أتفه الأسباب، والتهيج غير المبرر، بينما يشترك مع الآخرين في بقية الأعراض، وبالنسبة للجنس لايوجد فرق يذكر، فكلاهما ما نسبته 33%، وتبين بعض الأبحاث أن المرأة أكثر عرضة للإصابة به من الرجل.
- ماذا عن أسباب الإصابة بالاكتئاب؟
تتعدد أسباب الأصابة بالاكتئاب للمراهق، فمنها ما هو ”وراثي“ كالاستعدادات، ومنها ”المرسبات“ كطريقة المعاملة الوالدية، في ممارسة الضغط، أو التربية التعسفية، أو الحرمان العاطفي أو المادي، أو صراعات داخل الأسرة؛ اضطهاد، عنف منزلي، أو غيره، تعتبر من المرسبات وتولد الاستعداد لاصابة المراهق بالاضطراب والاكتئاب الذي يعود للبيئة الأسرية، وأحيانا موقف بسيط يؤدي إلى الاكتئاب، وهناك أقوال حول تسبب قصور الغدة الدرقية في ذلك، وتعاطي بعض المواد.
- كيف ترى تأثير الحياة العصرية على المراهقين؟
الحياة العصرية أثرت في عزلتنا، فصار الناس يعيشون في العالم الافتراضي بلا روح، وقد يتعرض المراهق لتجارب قاسية، أو يقع ضحية لشخص يستدرجه ولا ينتبه لممارسات المبتزين في مواقع التواصل، فيجد نفسه وقع في مصيدة ولا يستطيع التصرف فيلجأ للاكتئاب، إلا إذا كان يملك أسرة قوية تعطيه الأمان والثقة.
- هل التحول من الأسر الممتدة إلى النووية هو الأفضل لصحة الأبناء؟
الأسر الممتدة كانت أحد مصادر الاحتضان، فيلجأ الأحفاد إلى الأجداد حين تتوتر علاقة الآباء، فيجدوا لديهم حلول خاصة في الجانب العاطفي والشعور بالأمان وكونهم خط مساندة نفسي واجتماعي، فكثير من الأمور يتم تعديلها باعتبار خبرات الأجداد تساعد الآباء الجدد على التعامل مع المراهقين، خاصة إذا كان الأجداد على وعي بتقديم الحب، فستكون الأسر الممتدة إيجابية كثيرًا.
- وما هي أنسب طرق دعم المراهق.
لا يوجد علاج دوائي للاكتئاب، بل العلاج المعرفي السلوكي، فحين ينعزل المراهق يحتاج إلى تنشيط سلوكي، وهو دور الأهل في برامج داخل وخارج المنزل، كاستقطابه إلى نشاط، رياضة، أو المشي في الهواء الطلق.
وفي العلاج المعرفي تتم مساعدته في إيجاد معنى للحياة، واستكشاف أفكاره ومعتقداته وتغييرها، والعمل على البناء المعرفي لديه، وتغييره حسب هذا المفهوم، وقد يحتاج نمط خاص واستقصاء حول الحالة للوصول للمعتقدات الأساسية والأفكار التلقائية أو الوسيطة التي تتسبب في تولد المشاعر.
- كيف يكتشف الآباء هوايات الأبناء؟
قد يكون لدى الشخص تفضيلات أو رغبات، ولكن إذا قلنا إن السلوك الإنساني متعلم، بإمكان الأهل المساهمة في صناعة بعض الرغبات كالهوايات التي يكتسبها من البيئة، وهناك هوايات موروثة، فنرى عائلة بكاملها رسامة ولديها هذا الاتجاه في الحياة، ومن ضمن الدعم ألا ننهى الطفل أو المراهق عن ممارسة هواياتهم كما في الرسم أو رياضة الكرة، بحجة التعطيل عن الدراسة، بل نساعدهم في عملية تنظيم وإدارة الوقت لممارسة هواياتهم بشكل عادي، فلا يكون التركيز على التعليم فقط، مما يتسبب لهم بالاكتئاب.
- ماذا عن اختيار الأصدقاء؟
جماعة الرفاق لها تأثير كبير على المراهق، كما يعبر عنه في أدبيات علم النفس، ولا مانع من حديث الآباء مع أبنائهم بصراحة حول اختيارهم لأصدقائهم ”بدون ذكر الطرف الآخر بسوء“، وإنما نذكر له الأضرار الذي قد تنتابه من تلك العلاقة، ونوجهه بطريقة صحيحة.
- كيف ترى دور المدرسة والمجتمع في ذلك؟
نطلق على المدرسة والأندية المؤسسات الإيجابية، ويفترض بمجرد ملاحظة بعض الأعراض، كتأخر المستوى الدراسي أو غيره، أن يحصل تدخل سريع، وأن تكون توجيهاتنا للمراهق على انفراد كاستدعائه بمفرده، أو التواصل بين الأسرة والمدرسة، فقد تكون مشكلة أسرية تسببت بذلك، محاولة إشراك الطالب في أنشطة مدرسية لتنشيطه، قد يكون السبب الشعور بعدم الكفاءة، وهنا يتطلب تدخل المختص بالمدرسة للعناية به للتعرف سبب هذا الشعور لديه وهل هو حقيقي؛ سمع كلمات أدت إلى إعطائه صورة سلبية عن ذاته، أحيانا كلمة جارحة تدفعه للانسحاب من الحياة الاجتماعية والمدرسة تتحمل جزء من المسؤولية تجاه طلابها.
- هل يتسبب الاكتئاب بصعوبة الدراسة؟
إذا أهمل العلاج، قد يتسبب في ذلك، ويعتمد على شدة الاكتئاب، كما في الهوس الاكتئابي ”ذهاني“، فالبعض استطاع المواصلة وتخطى المشكلة مع العلاج الدوائي والمعرفي والسلوكي، والاستمرارية.
- ماذا عن دور المراهق ومسؤوليته تجاه نفسه؟
لا بدّ أن يكون للمراهق موجهًا للاستبصار بحالته، وطلب المساعدة من مختص، لكن مشكلة المراهق في الإنكار، ما يؤدي إلى تفاقم الحالة، والعلاج في البدايات أسهل بكثير.
- هل يحتاج المراهق إلى قوة خارجية لتخطي حالته النفسية؟
بالتأكيد يحتاج إلى من يأخذ بيده، والأسرة هي الخط الأول، ولها دور كبير في ذلك، وأحيانًا قد يصلوا لعقله وقلبه لتغيير بعض قناعاته من خلال الأصدقاء، باعتبار طبيعة المرحلة التي تتاثر بالأقران كما جاء في أدبيات علم النفس.
- وما هي الاهتمامات التي تؤدي للاكتئاب؟
للمراهق تفضيلات حسب اهتماماته، بعضهم بالشكل، والبعض بالحضور الاجتماعي، والبعض أن يكون مشهورًا، وما يميز المراهق البحث عن مساحة من الحرية، كالتحرر من قيود الوالدين، لذلك تأتي أهمية التربية ”بالعواقب“ بدلًا من ”العقاب“.
- وماذا عن الفتايات؟
لا نستطيع القول إن هناك اهتمامات محددة، فالجميع له اهتمامات خاصة، لكن طبيعة المرأة أنها تهتم بالعلاقات الاجتماعية وتعطيها أهمية، فنساعدها على اختيار صديقاتها، وقد يكون مجال اهتماماتها بالجمال، أو الانخراط في الأعمال الاجتماعية التطوعية، المهم نطمئن أن هذا التوجه أو الاهتمام إيجابي، يضيف لها وينمي شخصيتها.
- ماذا عن دور العبادة؟
الخبرات الدينية لها أهمية كبيرة في حياة الإنسان، فكلما كانت قوية وعميقة، ساعدته على تخطي صعوبات الحياة، خاصةً أن النصوص الدينية تدعو للتفاؤل، بل تعتبر أدوات تكيفية مع ضغوط الحياة، كالصبر والأمل التي تعززه تلك النصوص، فزراعة الأمل من القيم التي تعززها القيم الدينية، حتى أنه يقال عنها أساليب معرفية عليا، ممكن أن نتخطى بها صعوبات الحياة.
وكما قال عالم النفس التحليلي كارل يونج، خلال عمله في هذا المجال 30 عامًا: لم أستطع معالجة أي شخص دون استمالته لعقيدة دينية، حيث إنهم فقدوا شيء مما وهبته الأديان لأتباعها، والدين فيه من المفاهيم والقيم ما يدفع للاطمئنان.
- وما هو دور رجال الدين؟
بالإمكان تبسيط الدين للمراهق، الذي قد يصاب بوساوس قهرية في الصلاة أو الوضوء إذا لم تكن توجيهاتنا الدينية بطريقة صحيحة، فلا بدّ من تعليمهم المفاهيم الدينية بما يتناسب مع الطبيعة البشرية، واستخدام الثواب والتعزيز الإيجابي بدلًا من التخويف، وتبيين الفوائد والعائد الروحي والنفسي والصحي والاجتماعي الذي سيحصل عليه أثر التزامه بالقيم الدينية، كوقت الصلاة الذي يساعد كثيرًا في تخطي عقبات الحياة.
- كيف نرشد المراهق لصياغة أهدافه؟
بالإمكان الاستفادة من ”نظرية التوقع“، حيث يبدي الآباء توقعات إيجابية من الأبناء فيسير العقل الباطن في مسار توقعاتهم، بعكس إذا كانت التوقعات لهم سلبية ستكون ردة فعلهم مكتئبة، فتوقع الأفضل لهم، سيؤثر في مسارهم بالحياة، وسيحاولون الذهاب لهذا التوقع.
- متى يحتاج المراهق للعلاج المتخصص؟
يختلف التشخيص للاكتئاب بحسب الشدة والنوع، ويفضل الأطباء النفسيين الجمع بين العلاج الدوائي والمعرفي السلوكي للحالات المتوسطة والحادة، ومن الأفضل الاتجاه للعلاج في البدايات.
وغالبًا تكفي الجلسات العلاجية في الاكتئاب البسيط، ويفترض أن تكون متقاربة ومدروسة، فالتباعد قد يفوت فرص الشفاء ولا تكون الخطة العلاجية مؤثرة، ويتم وضعها بعد مقياس تحديد المستوى، لقياس تطور الحالة زيادة أو نقص، لتتضح النتيجة.