«ويطهركم تطهيرًا».. أمسية شعرية حسينية في حلة محيش

أقام منتدى الكوثر الأدبي بالقطيف، أمسيته ”ويطهركم تطهيرًا“، يوم الجمعة الماضي، في حسينية أم أبيها بحلة محيش بمحافظة القطيف.
تلك الأمسية التي احتملت الجمهور الحاضر المتنوع من علماء دين وأدباء ومهتمين على أجنحة مجاز الإبداع، ذلك البيان السحر الذي ضجت به القاعة الأولى الممتلئة بالحضور، ما اضطرهم لفتح أبواب القاعة الثانية.
وكان في عرافة الأمسية الأديب زكي السالم مديراً لدفتها بجماله وثقافته المعهودين عنه، مسلطًا الضوء بين الفقرات على القيم العظمى التي ثار من أجلها الإمام الحسين، ومستدعيًا قول الدكتور المرحوم الوائلي:
ورأيتك النفس الكبيرة لم تكن
حتى على من قاتلوك حقودا
ظنوا بأن قتل الحسينَ يزيدُهم
لكنما قتل الحسينُ يزيدا
وكانت أولى سلسلة الشعر العرشي على لسان شاعرها أحمد الخميس، والتي كان عارجًا ببراق هوى المولى الحسين فيها بقوله:
سُبحَانَ مَن..
أَسرَى بقلبٍ والِهٍ
رَامَ العِراقَ..
على بُراقِ هَوَاكا!!
مازال يَعرجُ في..
سَمَاكَ ومُذْ دَنا..
صَلَّى وكَبَّرَ..
في مقَامِ عُلاكا
ألفَاكَ عِند العَرش ….
نُوراً زاهِراً.....
ورَأكَ مِشكَاةً....
تُشِّعُ سَنَاكا!!
واستمرت سلسلة الشعراء العارجين إلى ملكوت الحسين، عبر الشاعر محمد عباس الصفار، الذي قال واصفًا عروج لحظة انفرد الحسين ومشى لمصرعه:
تمشي لموتِكَ ثابتًا
فتعلِّمُ الكونَ التَّناغُمْ
جِسمٌ يسيرُ على التُّرابِ
وعَقلُهُ في اللهِ عائمْ
كيفَ اللَّحَاقُ.. وها خُطَاكَ
تَنَقَّلَتْ بينَ العَوالِمْ
ثم وجد الشاعر نفسه بين أطفال الحسين الذين تعلقوا بقوائم المهر ذي الجناح، ومن تلك اللحظات الوداعية إلى لحظة هوي الحسين الذي لم يكن سقوطًا، وإنما ارتفاعًا وعروجًا بدلالة تفاعل الملائكة:
لمَّا صعدتَ على الجوادِ
أنا الذي مَسَكَ القوائمْ
في كَفِّكَ الملكوتُ والجبروتُ
ما كانتْ شكائمْ
وسَقَطتَ فابتدَعَ الملائكُ
حِينَهَا رَفْعَ العمائمْ
تلا ذلك، الشاعر المبدع حسين آل عمار، الذي لامس تخوم عرش الشعر وشعر العرش، محاَولاً أن يكوّر السماوات المجازية في طهارة قوله:
وَدَارَ عَلَيْهَا الكَونُ،
تَمْشِي وَتَرْتَقِي!
فَهَلْ مِشْيَةٌ؟
أَمْ عَانَقَ العَرْشَ ظِلُّهَا؟!
فَعَنْ أَيِّ وَحْيٍ سَاكِنٍ في
فُؤادِهَا سَتَسْأَلُ؟
وَالأَمْلَاكُ في الغَيْبِ نَسْلُهَا
شُمُوْخٌ كَهَذَا!
هَزَّتْ الأَرْضُ جِذْعَهُ
فَمَا مَالَ عن شُمِّ السَمَاوَاتِ نَخْلُهَا
فَظَلَّتْ صَلَاةً
كُلَّمَا أَذَّنَ الفِدَا
يَفِيْضُ بِمِحْرَابِ السَمَاوَاتِ بَذْلُهَا
واعتلى بعد ذلك أستاذ الشعراء ومؤسس منتدى الكوثر الشيخ عبدالكريم آل زرع مرتلاً تائيته والتي كان الجمهور الحضور يقرؤها مأتماً ومتابعاً له فيها، ومما قال:
قيل لي أرثيك والكون سكوت
وصدى نحرك صوت الملكوت
أي بيت زارك الله به
بيتك العرش إذا عدت بيوت
كيف أرثيك! وقد أحييتني
إنما ذكراك للأرواح قوت
وتفرد شيخ الشعراء في لذة مناجاته العرفانية التي يتذوق فيها طعمًا ليس كالطعوم، طعم اسم الحسين الذي وجده مستريحًا على شفاه الأنبياء؛ فيقول:
يا قنوت الرسل في أسحارهم
وألذ الوصل أوراد القنوت
كل بيت ليس فيه دمعة
لحسين فهو بيت العنكبوت
سيموت الكون طراً كله
ذاك حتمٌ وحسينٌ لا يموت
وجاء اللون الآخر من الأمسية بلون الشعر الشعبي، والتي جاء شعرًا جمربًا، تتقد فيه اللوعة وتشتعل الحرقة، وهذا الشاعر حسن بن الشيخ عبدالكريم الفرج، شاعر عارج عبر بُراق الأسى في نصه الذي كان حوار بين أم البنين والسيدة زينب - عليهما السلام - مستهلاً إياه بالموقف التاريخي عند أول لقاء بينهما بعد الرجوع من رحلة السبي:
إجَتْ أم البنين وقاصده الحوره
قالت وين زينب؟ والعقل يفتر
دارت صوبها وظلت تباوع زين
قالت إنت زينب؟ وجهج اتغيير
ثم قال الشاعر على لسان حال السيدة زينب وهي تجيب أم البنين وتشكو لها ما نابها من رزايا:
ييمه الطف أخذ عمري وحرق لي الروح
وغديت اعله الأهل يايمه اتحسَّر
كرهت الماي يمه من شفت الحسين
عطشان الشمر حز منه المنحر
دارت بيه الدنية وصحت عباس
لن معتاده من انخاه إلي يحضر
تلا هذه الحوارية الشعرية بين السيدتين أم البنين وزينب الكبرى حوارية الميرزا يوسف الشيخ بوصفه شاعراً عارجاً إلى قداسة يوم الحسين، وقد أتقن رسم خطاب الوجع بلهجته الشعبية محدداً يوم الأربعين، ليدور الحوار بين السيدة زينب وقبر أخيها الإمام الحسين، يقول:
احاچيك بلساني ودمعة العين
ونحرك من حچى خلاني ابچيك
اتمنى اضمك ضمة اوداع
ايديه مورمه ومقطوعة اياديك
يضل الكون كله اعليك مجروح
وكل شيعي بلطم وبدمعه يبچيك
واستمر الشاعر يوسف الشيخ في جمراته الطهورة، حتى يرى بعين قصيدتة المألومة والمكلومة أن المولى أبي عبد الله الحسين هو القبلة التي يتجه لها الموحدون عند الصلاة، بل إن الحسين هو الصلاة ذاتها، وتزكو تلك المجازات اللغوية إذا ما نسبت للمولى الحسين
العطشان، والذي تتمنى أخته لو تسقيه وهو في قبره، ولكنها سقاية مغايرة، يقول:
تظل أنت الصلاة والقبلة للناس
وتتوضه القصيدة من تصليك
يالتارس عيوني دموع لعيون
أقعد خل اسولف لك واراويك
من ماي القلب لو ماي لعيون
من أي نهر تشرب بيدي اسقيك
وجاء الشاعر العارج حسن آل شبيب والذي كان امتاح نصه الطهور من دلاء بئر الغيب الرضوي، وقد نسج نصه المشتعل بجمرة الوجع وبلغته الشعبية إلا أنه انتحى نحو النص التفعيلي، فجاء عروجه على لسان أبي الصلت الهروي وهو يحكي لليل سيرة الإمام الرضا ومما قال فيه عند بلوغه عرش الألم:
وحان وقت الفرقة والكون ارتجف
صارت الدنيا كئيبه
والعرش بالدم نزف
شهقه ممزوجه بسموم
وبالخيانة شفنا متلبده الغيوم
وهو يوم
تركض احزاني اعلى قلب والدمع مني هطل
وكل وقود الخوف باحساسي اشتعل..
وواصل عروجه المشتعل باحثا عما يخمد لظى الجمرات المتقدة، متماهياً مع الحالة العبادية والتي تتمظهر حقيقة قداستها من خلال السبحة والخاتم في كف الإمام السلطان الرؤوف؛ فلا ترى إلا وهذا الوجود أوّب معه، يقول حسن آل شبيب:
خاتمه انوار القداسه
سبحته الكون الوسيع
چانت اتقلي يفرني وانه بچفوفه اضيع
چان يسبح لله واسهر انه اوياه والغربة شكثر
خرزة خرزة انطيح من كثر الهيام
وچان يعلمنا الامام
شلون تندار الكواكب
شلون يتبدى الظلام
وقلبي من ايصيبه خوف
اعتكافي ايصير تقبيل الجفوف
انه يابو الصلت تسبيحة رضا
من يسبح بيه جانت تطفى جمرات اللظى..
وهكذا أشعل شعراء الكوثر الأدبي فتيل مصباح الطهارة في أمسيتهم ”ويطهركم تطهيرا“ وعبر عروجهم اللغوي إلى سماوات الإبداع أطفؤوا غلة اشتياقهم، واختتمت الأمسية بشكر إدارة الكوثر الشعراء المشاركين، والجهة المضيفة حسينية أم أبيها بالحلة على ما وجدوه من كرم وحفاوة.